الشاعر سمير عبد الباقى
مرحبا بكم فى منتديات شمروخ الأراجوز للشاعر سمير عبد الباقى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الشاعر سمير عبد الباقى
مرحبا بكم فى منتديات شمروخ الأراجوز للشاعر سمير عبد الباقى
الشاعر سمير عبد الباقى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» شمروخ الاراجوز 2
تابع   الشمروخ 17 Emptyالخميس يوليو 24, 2014 10:18 am من طرف عماد عبد الحكيم

» جاك نصيبة
تابع   الشمروخ 17 Emptyالخميس يوليو 24, 2014 10:00 am من طرف عماد عبد الحكيم

» فوانيس الأراجوز التعيس فى ليل المد والتوريث
تابع   الشمروخ 17 Emptyالأحد مارس 11, 2012 6:29 pm من طرف Admin

» اغنية حمامة بيضا غناء عدلى فخرى اشعار سمير عبد الباقى
تابع   الشمروخ 17 Emptyالأحد مارس 11, 2012 6:10 pm من طرف Admin

» فى حب مصر يامركب الشمس عدلى فخرى و سمير عبد الباقى
تابع   الشمروخ 17 Emptyالأحد مارس 11, 2012 6:08 pm من طرف Admin

» معرض الكتاب القاهره 5
تابع   الشمروخ 17 Emptyالأحد مارس 11, 2012 6:06 pm من طرف Admin

» معرض الكتاب
تابع   الشمروخ 17 Emptyالأحد مارس 11, 2012 6:02 pm من طرف Admin

» معرض الكتاب 3
تابع   الشمروخ 17 Emptyالأحد مارس 11, 2012 6:00 pm من طرف Admin

» معرض الكتاب 4
تابع   الشمروخ 17 Emptyالأحد مارس 11, 2012 5:57 pm من طرف Admin

التبادل الاعلاني
مطالب شعب
تسجيل نادر
-----

تابع الشمروخ 17

اذهب الى الأسفل

07032012

مُساهمة 

تابع   الشمروخ 17 Empty تابع الشمروخ 17





بين جابر وجبير



بين جابر وجبير
قال الراوى ..
أخيرا يا سادة يا كرام تحققت الاحلام .. والمنذر الذى كان يحلم بابن واحد رزقه الله بولدين..
فالله يفعل ما يشاء حين يشاء .. والمقدر والمكتوب على الجبين لابد أن تراه العين .. وما لابد أن يكون يكون … لأن لله فى خلقه شئون .. وكم للأحداث من شجون..
فهلال الذى طرد المنذر من ظلال رحمته .. لأنه أراد أن يتزوج امرأة من قبيلة ليست فى مكانه قبيلته وليست لها أصل مثل أرومته .. امرأة من البكريين رعاة الإبل والأغنام بينما هو سليل التغلبيين المحاربين ذوى المكانة والمقام .. لقنته الأيام درسا لأنه نسى ما أوصى به الإسلام وما أقره من مساواة بين خلق الله من الأنام … وحرمه الله من أعز أولاده، يشهد يوم ميلاد أحفاده..
بينما عوض الله المنذر عن أيام غربته وأوقع فى قلب هذبا محبته، ثم حرمها من الولد ليكتمل الدرس من حكمته.. التى تعجز عنها الأفهام .. ليأتى اليوم فنعرف مما حدث .. عبرة الأيام .. خاصة عندما لا يستوعب الأبناء أخطاء الأباء.
صلوا على من كان خير الأبناء وأكرم الآباء.
لقد اختارت هذبا لزوجها زوجة هى عذبا، بنت الملك الصالح لتنجب له ما يشتاق إليه من ولد .. وتزيل عن قلبه ما هو قلبه ما هو فيه من كمد، وأحضرتها بنفسها إلى البلد .. وعطفت عليها وتقربت إليها.. وعاملتها برقة لتشعرها بالأمان وأخفت ما بقلبها من أحزان .. وهيأت لها الفرصة، وكل أملها أن يتحقق أمل زوجها وحبيبها فى الخلفة التى حرمت منها، وغمرتها بالحب والألفة، على عكس ما تفعله النسوان.. وأبعدت كل منغص عنها.. وقد زاد هذا من محبة المنذر لها.. وزادت عنده مكانتها .. وكلما كانت محبتها فى قلبه تزيد .. كان حبه فى قلبها يتجدد من جديد.. فكان ما أرادته حكمة الرحمن.. وهى أن يفهم الإنسان أنه يريد وغيره يريد.. ولكن الله فى النهاية يفعل ما يريد..
وكانت المعجزة
فحملت هذبا التى كانت عاقرا محرومة من الإنجاب فى نفس الوقت الذى حملت فيه عذبا.. والله وحده يسبب الأسباب..
ولذا كانت الفرحة فرحتين..
وبل الإبن يا منذر .. وهبك ولدين.
فربك للمكسورين – كما يقولون – جابر.
تصور الأمانة وتعى الدرس.وتكون للغرباء فى بيتك .. جبير..
صلوا .. على من كان الكلمة واللسان للأخرس وعيونا للبصير .. نبى الله السميع القدير..
فى نفس الوقت الذى أنجبت فيها عذبا ابنها جبير .. وضعت هذبا ابنا يضاهيه فى الحسن أسماء والده جابر..
وأقيمت الأفراح والليالى الملاح ووزعوا الأموال وذبحت الذبائح وظلت الولائم للرائح والغادى، من أهل الحضر والبوادى.. حتى ظهر الهلال التالى لشهر جمادى وكانت محبة هذبا قد زادت فى قلب المنذر.. لأنها فعلت المستحيل كى تحقق رغبة فى ابن يرث إمارته .. وزوجته من جميلة غيرها على غير ما تفعل النساء.. واحتملت كل ما فجره هذا من آلام وأحزان حين تراه فى أحضان غيرها.. بإرادتها وتدبيرها..
وها هى كما شاءت الأقدار تنجب له هى الأخرى، وفى نفس الوقت، بعد أن طال حرمانها .. وصحيح أنها ندمت لتسرعها هى الأخرى فى ما فعلته ولامت نفسها كثيرا على قلة صبرها .ز ولكنها والحق يقال صانت عهدها.. وظلت تعامل (عذبا) بكل إعزاز وإحترام .. كاتمة ما بقلبها .. باعتبار أنها فعلت ذلك بنفسها.
أما المنذر .. فصار يلوم نفسه هو الآخر بشدة لأنه أطاعها، وتزوج بامرأة لا يحبها.والحقيقة أنه لم يشعر يوما بالحب لعذبا، مقارنة بما يشعر به من عواطف نحو هذبا، وانعكس هذا على موقفه من جبير ابن عذبا، بينما زادت محبته لجابر ابن هذبا.. وكأنه يكفر عن ذنبه حيالها، ويعوضها عما جرى لها.
أحضر المنذر لطفليه أفضل المربين .. ولما شبا على الطوق استقدم لها خير المعلمين .. وعندما صار شابين سلمهما لأشجع المدربين .. فشبا فارسين، لا يشق لهما غبار فى العلوم والأدب .. فصيحين فى حكاية الحكايات ورواية الأشعار.. رجلين متمرسين بفنون الحرب والقتال .. كانا نموذجين لما يجب أن يكون عليه أحفاد جدهما هلال..
وحدث أن الملك الصالح والد عذبا عندما وافته المنية وأحس باقتراب الأجل .. دعى إليه ابنه مفلح على عجل وأوصاه ألا يكف عن زيارة عذبا وصلة رحمها كلما أتاحت له الظروف ذلك حتى لا تحس الغربة عن أهلها .. ولا تهون مكانتها لدى زوجها.. ولذلك قرر مفلح أن يزور أخته فور وفاة والده .. فى موكب عظيم تتحدث عنه الركبان ويحفظ كرامتها بين العربان.
فخرج لزيارة المنذر فيما يزيد عن ألف فارس فى عدتهم وكامل عتادهم ومعهم خمسمائة ناقة محملة بالهدايا التى تزخر بها بلادهم.
وخرج المنذر لاستقبالهم أحسن استقبال، وإن لم يعجبه تماما هذا الاستعراض للكرم والقوة.. أما جابر فإنه كان أكثر من والده غيظا واستعرت فى قلبه غيرة لا حد لها مما فاض على جبير من عواطف خاله وهداياه.. وحرك هذا الغيظ فى قلبه ما أخفاه، والذى لم يكن يخفى على والده وكان مع أخيه يراه..
وبعد أن بقى مفلح عند صهره مدة من الزمان عاد إلى بلاده.. ولكن الزيارة فجرت ما كان يخفيه المنذر من تفرقه بين أولاده، فلم يعد يجد حرجا فى إعلان تفضيله لجابر على جبير، وانحيازه الصارخ لابن هذبا على ابن عذبا..
ولم يفاجئ هذا عذبا التى كانت تحسه منذ اللحظة الأولى.. كانت تحس فى عينى المنذر ندما خفيا على زواجه منها .. وما أقسى هذا الشعور على إمرأة محبة وغريبة عندما ترى وكأن حبها مفروض على زوجها وهى من وهبته الابن الذى طالما حلم به .. وازداد هذا الشعور عندما حملت هذبا التى زوجت زوجها بنفسها .. امرأة فى حسنها ونسبها، فإذا بها تنجب طفلا مثلها.. ولم يعد المنذر مضطرا لإخفاء مشاعره مراعاة لها، ولا مجبرا على التظاهر إرضاء لها.
كانت عذبا فى البداية تلومه.. ثم أصبحت ترجوه، ثم ذهبت لهذبا تشكوه.. وتسر إليها أن المنذر يزرع فى قلب جبير الكراهية لأبيه وأخيه .. ورجتها أن تحدثه فى الأمر وما فيه..
ومل المنذر من إلحاحها .. وشكواها تارة اليه وتاره لزوجته .. فامتنع عن زياردتها ولقياها.. حتى ثارت ذات يوم وانفجرت باكية أمام ابنها .. وهى تسأله عما فعلته لأبيه وعما رآه منها ليعاملها هذه المعاملة القاسية، ويعامله وهو الشريف الحر كأنه ابن الجارية..
ذهب جبير إلى أبيه غاضبا .. وقد فاض به ما كان فى قلبه من مشاعر، حيال ما يلاقيه من أخيه جابر.. الذى يصر على أن يقابل محبته بكراهية لا يداريها.ز ويرفض وده بقسوة لا يخفيها .. وسأل والده عن السر فى تفرقته فى المعاملة بين أمه وبين هذبا .. ولم يقدم أخاه عليه وهو ابن عذبا، حفيد الملك الصالح وابن أخت الأمير مفلح العظيم . فرد المنذر عليه وهو كظيم .. بأن عليه وعلى أمه أن يعيشا فى قصرهما مكرمين كبقية الآخرين وإن لم يعجبهما رعاية لهما وما يجدانه من حماية فى ظل مكانته فليعودا إلى حيث يجدون عزا أكبر .. وكانة أفضل .. هناك فى مملكة جدة وبلاد أبيها .. تحت رعاية خاله المتكبر المغرور أخيها..
ولما عرفت عذبا بما جرى .. ذهبت غليه غير مصدقة فأعاد عليه حديثه القاسى.. فكتمت دموعها ودفنت حزنها فى قلبها وخرجت مصرة على الرحيل .. ولم يهتم المنذر كثيرا ولم يشفق عليها ولا عنى بالاعتذار إليها ونسى أنه يفعل بالضبط ما فعله معه أبوه هلال.! عندما طرده من رعايته ولم يراع بنوته .. ها هو يرتكب نفس الخطأ مع ولده جبير دون أن ينتبه إلى القسوة التى تتم بها فعلته.
وهما لم يسيئا إليه … ولابد لهما فيما صارت الأمور عليه.
قال الراوى
عندما عرفت عذبا بحقيقة ما يشعر به زوجها نحوها.. دعت ابنها جيير إلى الرحيل والخروج إلى بلاد أهلها .. وجمع جبير رجاله وماله وخرج غير نادم على ما كان .. وخرج معه عدد من أصدقائه الفرسان..
وأرسل المنذر معهم وزيره .. ليصحبهم إلى بلاد الأمير مفلح .. وعندما اقتربوا من بلاد الأمير مرزوق الواقعة بين بلاد السر وبلاد الشيخ طلبت عذبا من الوزير أن يعود من حيث أتى .. فهى تخشى أن يفهم أخاها مفلح الأمر على غير حقيقته ويظن بها سوءا، خاصة وأنه لم ير ما يثير القلق عند زيارته الأخير لها وللمنذر .. ووافقها الوزير الذى لم يكن راضيا عن الأمر كله من البداية وعاد أدراجه.
وأمر جبير رجاله بالنزول فى طلل قيم على حدود مملكة مرزوق بعد أن أرسل رسولا إليه يستأذنه فى ذلك..
وكان الأمير مرزوق قد سمع عن جبير وشجاعته .. وكان يعرف مكانه عذبا لدى أبيها وأخيها.. فخرج بنفسه إليهم فى موكب كبير حاملا معه الهدايا والعطايا .. وحين عرف بالحكاية، أصر على دعوتهم للنزول فى أرضه .. وتحت رعايته وحمايته.. وأعطاهم من الأرض والعبيد والجوارى، ما يكفى للاستقرار والحياة الكريمة حسب العرف الجارى.
وتعمقت الصلة بينه وبين جبير الذى أظهر شجاعة كبيرة وقدم لمرزوق خدمات كثيرة. فأحبه وقربه إليه .. وسمح له أن يفعل كل ما يعود بالخير عليه .. فصار له اتباع وأعوان وجماعة تزيد على الخمسمائة من الفرسان الشجعان.
وحدث فى يوم من الأيام .. أن حل عليهم ثلاث ضيوف من أهل بلاد الشيخ ومن رجال المنذر فرأوا ما له من مكانة وجاه وما يتمته به قوة وسلطان .. فأبلغوا أخاه..
وغضب المنذر واعتبر ذلك تحديا له، واستدعى وزيره وسأله عن السبب فى أنه لم يوصل عذبا إلى أرض أخيها. فحكى له الحكاية وأن ذلك هو ما طلبته عذبا.. وقال له هذا الأمر لا أهمية له .. خاصة وأنك طلقتها وراحت لحال سبيلها..
ووجد جابر فى غضب فرصة أبيه كى يطلب منه الإذن للانقضاض على جبير قبل أن يستفحل أمره .. ويزيد شره.. فيعود لينتقم منهم لما فعلوه معهم ومع أمه.. وكان جابر قد صار جبارا.واستغل حب المنذر له فأصبح يأمر وينهى فى كثير من الأمور .. حتى دون علم والده .. حتى كادت الامارة أن تكون ملك يده..
كتب جابر كتابا إلى مرزوق يهدده .. ويأمره بطرد جبير وأمه .. وعن بلاده يبعده، وإلا حمل عليه وشتت أهله وخرب أرضه .. وانتقم منه شر انتقام لأنه يأوى عدوا له لابد من طرده.
كان جبير فى إحدى رحلات الصيد وحده.. عندما صادف العبد الذى يحمل الرسالة فأخذها منه وقرأها .. فتكدر .. لكنه أخفى حقيقة شخصيته عن العبد وكتب ردا إلى جابر أعطاه للعبد وأمره أن يوصله غليه.. وأمره أن يخبره أن سيده الأمير مرزوق قد أطاع الأمر على الفور وأنه طرد جبير وأمه إلى الصحراء..
لك يكن جبير ليرضى أن يتعرض الأمير مرزوق للأذى على يد جابر وأن تتعرض أرضه للخراب على يد المنذر.. وقرر الرحيل فى سلام. واستأذن الأمير مرزوق فى الرحيل إلى بلاد السرور حيث خاله .. فقد اشتاقت أمه لأخيها .. ولم يخبره شيئا عن تهديدات جابر ..ز حتى لا يرفض رحيله .. إذا كان يعرف أنه لا يخضع لتهديد، أو يتخلى عن مروءة..
ضحك الأمير جابر متشفيا ودخل على أبيه المنذر منتشيا بالانتصار على أخيه وأخبره أن جبير وأمه يهيمان الآن فى الصحراء .. حسب ما أراد وشاء.
ولكن المنذر تأثر من ذلك وزاد عليه المرض .. وتذكر ما حدث له عندما طرده أبوه هلال بن عامر، وما لاقاه من مصاعب ومتاعب .. وداهمه الإحساس بالغربة والشتات وطلب من جابر أن ينسى ما فات .. وأن يرسل لأخيه كى يعود إليهم .. ويكفى ما جره العناد عليهم..
لكن جابر أقسم أن يشرد جبير فى الأرض وكتب رسائل إلى كل الإمارات المجاورة .. يهددهم إن أووا جبير أو استضافوه بالانتقام منهم..بتخريب بلادهم وتشريد أولادهم .. وأرسل رسالة أشد لهجة إلى الأمير مفلح تعجب من الأمر .. فلم تكن لديه أية فكرة عما جرى. ولم تكن قد وصلته اية أخبار عن أخته وابنها منذ أن كان فى زيارتها عند المنذر .. وبينما هو فى دهشته .. وقد أثر فيه تهديد المنذر ونال من شجاعته .. إذ أتاه من يخبره بقدوم أخته عذبا وابنها جبير .. فخرج إليهم ومعه رسول المنذر ورسالته .. ولما إلتقاهم أحس جبير بما فى كلام خاله من فتور .. وحين قدم له رسالة أخيه .. إنكشفت الأمور.
قال مفلح فى صوت مهزوم:
- يا ابن اختى. ها أنت ترى أن أباك يهددنا بالقتل والخراب ونحن لا قبل لنا بالمنذر وجيشه.. فإن رأيت أنت فى نزولك عندما خير فأهلا وسهلا بك، على الرحب والسعة..
فرد عليه جبير بقلب مفعم بالحزن والألم:
- ألف إهانة لنا ولا إهانة لك يا خالى الغالى .. إن لنا رب لن يتخلى عنا .. وسوف أكتب لأبى ألومه على هذه الأعمال .. التى لا أدرى سببا لها.
وكتب جبير رسالة إلى أبيه وأخيه.. يلومهما على ما يفعلان.. ويبدى دهشته لكل هذا الحقد الذى يحملان، وهو لم يفعل سوى أن أطلب الإنصاف بين أمه وزوجة أبيه.. والعدل والقسط بينه وبين أخيه.. وطلب منه أن يكف عن هذا العدوان والتهديد للجيران.. وإلا فإنه سوف يعود إليهم دوما لينتقم منهم ويشتت شملهم.. ولولا أنه ما زال يحبهم .. لرجع إليهم على الفور لتذكيرهم بمغبة وسوء فعلتهم .. ثم أعطى الخطاب إلى رسول أبيه بعد أن ختمه متعمدا تذكيره برحلة شتاته حين طرده أبو ولامه لأنه يفعل ما فعلا هلال فيه.
وقبل أن تركب عذبا هودجها .. التفت إلى أخيها قائلة:
الله سيكون لنا خيرا منك .. وسينصرنا لأننا مظلومين وفيكم ومنكم مغدورين.
والتفت إلى أبنها تواسيه .. وتخفف عنه فعلة أبيه، وتدعوه أن يعتز بنفسه ولا يطاطئ رأسه إلى لخالقة وباريه .. وأردفت:
لعلها يا بنى لعنة بنى هلال .. فلا تحزن فمن يعانى لعنة الشتات لابد أن يكتب له الله بعد الغربة فرحة الإنتصار.




كريم الأصل لا يهرب



كريم الأصل لا يهرب
اشتد المرض على المنذر ولمز الفراش..
وملك جابر بن هذبا المر فجلس على كرسى الإمارة وحكم وتجبر وقهقة ضاحكا فى تشف عندما بلغته الأخبار أن مفلح خاف نم تهديداته ورفض أن يأوى جبير وأمه عذبا وطردهم إلى الصحراء..
أما المنذر بن هلال.. فقد بكى شديدا عندما وصله الخبر.. حتى أبكى الحاضرين.. حتى هذبا، فقد أحست أنها كانت السبب فى كل هذا الأمر.. فلو أنها صبرت قليلا لأنجبت للمنذر الابن الذى يتمناه.. دون أن تخطب له عذبا فتنجب للعذاب ولده جبير..
قال لها الشيخ يا ابتى:
-إن المقدر لابد أن يكون.. فلله فى خلقة شئون، ومن كان يدرى أنك لو لم تفعلى ذلك، لما كان لك نصيب فى جابر.. ولظل المنذر مهموما لعدم الإنجاب.
فقالت وقد زاد همها:
-ها هو مهموم مكسور الخاطر بسبب الإنجاب.. يا سيدى.. وأنا السبب..
هدأ من روعها وقال:
-لست من يكتب أقدار الناس يا بنيتى.. هذه مشيئة الإله.. وحي يريد الله فلا راد لإرادته.. وما صنعه جابر بأخيه.. حدث من المنذر بأمر أبيه.. فاتركى الأمر لله وهو القادر على تهوين الأمر عليه..
ولم يرعى جابر خاطر أبيه حين طلب منه أن يرسل لى جبير طالبا منه أن يعود ولكن جابر تمادى فى غيه وصاح..
-لقد أرسلت وراءه لا ليعود ولكن لأعرف أخبراه، وإلى أين يذهب وفى أى مكان يستقر، لأطارده حتى آخر الأرض ولآخر الزمان..
قال الراوى..
أما ما كان من أمر جبير.. فقد سار مع أمه ومن صحبهما من الفرسان فى البر على غير هدى لمدة سبعة أيام.. حتى كاد أن ينفد ما معهم من شراب وطعام.. ثم قال أحد رجاله.. أن فى بلاد نجد ملك عظيم الشأن.. يقال له ابن حنظل النعمان.. لا يرد عن حوضه إنسان.. وأن من ينزل بأرضه ويلوذ بحمايته، يعيش سعيدا تحت رايته.. فقال جبير..
-سيروا بنا إلى نجد.. لعلنا نجد عند أهلها من يصون العهد..
وكان بينهم وبين نجد مسيرة يومين.. فمالوا إلى واد به عين.. ليصيبوا شيئا من الراحة فى تلك الواحة.. وبعد أن اغتسلوا وأكلوا وشربوا. هل عليهم رهط من الفرسان كأنهم من معركة قد هربوا.. ولما سألوهم عن شأنهم، وما هو سر هرولتهم وفرارهم.. قال كبيرهم "رحال" أنهم من أعيان نجد. وقد هاجمهم عدو اسمه الجيلى بن سالم.. الذى هو على أرض سنبس أمير وحاكم.. فقامت بيننا وبينه حرب وقتال.. انتصر فيها علينا واستولى على ما لنا من أنعام ومال.. فهربت أنا والعيال، ومن بقى من الرجال.. ولا نعرف ما جرى بين الجليلى وبين ابن عمنا النعمان بن حنظل.. وها نح هنا ولا ندرى ماذا نفعل..
وها قال له جبير..
-كيف وأنت أمير وابن عم أمير.. تترك ابن عمك تحت وطأة الحصار.. وتهرب من الديار؟ لو كنت مكانك لبعت روحى مع ابن عمى. الذى كنت فى حمايته وكان همه من همى.. هيا.. وأنا أضع وجماعتى معكم.. وأضع يدى فى يدكم.. وسوف ترى ما يحل بالأعداء من الدمار.. أو تمحو بدمانا ودماكم عنكم العار..
فإجابه رحال:
-كم معك من الفرسان والرجال؟
قال جبير فى ثقة..
-معى ثلاثمائة فارس لا يشق لهم غبار..
فاستلقى رحال على قفاه من الضحك وقال:
-لقد كان معى مائة ألف من الفرسان ياخليلى، ولم يصمدوا أما قوة الجليلى.. قم يا رجل وامضى إلى حال سبيلك واطلب النجاة.. فقد يكون الخيلى فى أثرنا.. فيعدمنا ويعدمكم الحياة..
غضب جبير لهذا القول الجبان.. وقال له:
-اهرب بجلدك أنت يا عرة الفرسان.. أما أنا فسوف أرحل برجالى ولكن إلى النعمان.. وسترى كيف سيكون النصر حليفى وحليفة..
وتعجب رحال لقوله هذا وإن وقف يتأمله وهو يتبع قوله بالعمل. فيأمر فرسانه بالركوب على عجل.. ويخطب فيهم بما قرره فيملأ قلوبهم بالأمل.. ويقودهم فى حماس لنجدة أهل نجد.. وملكهم النعمان بن حنظل!
وهنا قال رحال لرجاله:
-ياقوم.. هذا الرجل معه حق فيما رمانا به من تقريع ولوم.. هيا بنا نسير وراءه لنرى ما سيحدث بينه وبين الجليى.. فإن كان النصر له.. دخلنا المعركة إلى جانبه وشاركناه النصر.. أما إذا هزم.. عدنا كما كنا، ويا دار ما دخلك شر..
فوافقوه على هذا الأمر.. وساروا خلف جبير ورجاله ولكن فى طريق غير الطريق.. حتى يتبين لهم العدو من الصديق..
أما جبير فقد حث الخطى مع رجاله إلى حيث كان النعمان محاصرا بجنود الجليلى من يمينه وشماله.. يبحث عن مخرج من ذلك الكرب.. ويدعو الله أن يخرجه من هذا الموقف الصعب.
وبينما كان الحصار على جنوده يشتد.. وبين لحظة وأخرى يتوقع أن تحل ساعة الجد. فإذا بالدائرة تدور.. والمأزوم المكسور يكاد يصبح هو الفائز المنصور.. ولم يعرف الملك النعمان بن حنظل.. السر فيما حصل.. فبدل يأسه إلى أمل.. ولم يستطع تفسير كيف أتته النجدة من السماء.. فارتبكت بسبب هجومها الصاعق جيوش الأعداء فأربكت قوات الميمنة وخلخلت صفوة الميسرة.. وجعلت أمامهم إلى الوراء.. ووراءهم إلى الأمام..
صلوا على سيد الأنام وسبحوا من له الثبات والدوام.. ومسبب أسباب الحرب ومدبر أمور السلام.
حيث أطل جبير وفرسانه علىالوادى الذى التقى فيه الجليلى مع النعمان.. وجدوا موقف ملك نجد فى غاية العصوبة.. إذا أحاطت الجيوش بالجيوش.. وأحكمت قوات المعتدين العصار حول من خرجوا ليحمو الديار.. وكالبرق الخاطف هبطوا من فوق الجبل منقضين كالسيل شهرين السيوف.. يصيحون بالمحاصرين أن اصمدوا.. وهبوا للقتال..
وانقلب الحال..
وفى الوقت الذى فوجئ فيه الجليلى بهذا الهجوم المفاجئ الذى لم يكن فى الحسبان.. بلع الملك النعمان ريقه الجاف وسارع يأمر رجاله بالتقدم.. فانقلب المحاصرون إلى محاصرين.. وغسلت دموع الأمل قلوب الذين كانوا خائفين..
وأخذ الملك الجليلى يبحث وسط المعركة عن قائد المهاجمين حتى وصل إليه وهجم عليه وهو يصبح به.
من أنت ومن أين أتيت أيها المقتول؟..
فعلا صوت جبير حتى صار أعلا من صليل السيوف ودق الطبول وقال له:
-أنت القتيل يا من تجبرت واعتديت..
صاح به الجليلى:
-قل لى من أنت ومن أين أتيت. أيها المهان..
قال جبير..
-لست مهانا ولا جبانا أيها الطاغية فأنا جبير.. ابن المنذر الهلالى.. الذى فى الحق لا يبالى.. فاحذر لنفسك يا جليلى وانظر إلى شأنك وارجع عن عدوانك..
وانقض عليه فتلقاه الجليلى بما يعادل قواه.. وظل البطلين كالجبلين يصطدمان ويفترقان.. وكل منهما لا يجد طريقا للآخر حتى حل الليل، وحان وقت الانفصال.. فافترفا على معد فى الصباح لاستئناف القتال..
وحين عاد الجليلى لقومه سألوه عن خصمه فقال لهم كيف كان.. وكيف أصبح النصر الآن من الصعوبة بمكان.. وأشار عليه صحبه أن يرسل إلى جبير هذا ويساومه ويرغبه.. ويغريه أن ينضم لصفوفه، وأن يعده أن يمكن له فى أرض النعمان.. وأن يزوجه من ابنته غصن البان حتى يتجنب الخسران..
واقتنع الجليلى بذلك.. وقد رأى أن جبيرا لا مصلحة له مع هذا أو ذاك.. أو هكذا اعتقد.. فدعى فتى من فتيانه وسلمه رسالة إلى جبير بما معناه:
"مادامت ليست لك مصلحة معهم.. فكن معنا فتنال منا الغنى والجاه.."
أما ما مكان من أمر جبير فقد نزل فى ضيافة الملك النعمان الذى اعتبره من الأهل والخلان.. واستقبله بكل حفاوة وإكرام.. ودعا أهله ليسلموا عليه ويزفون آيات الشكر إليه..
وحين رأى ابنة النعمان حسنا.. ملكت فؤاده.. ولما نظر فى عينيها أحس أنها من الدنيا مراده.. ولم يعد يرى فيمن حوله سواها.. وكما وقعت هى على أرض هواه سقط هو فى بئر هواها..
وحين وصل رسول الجليلى بخطابه إلى جبير اختلط عليه الأمر فلم يعرف زيد من عبيد.. وسلم الخطاب إلى غير المقصود به العنوان.. وأوصل الكتاب إلى الملك النعمان..
فلما قرأه خاف أن تغرى العطايا التى وعد بها الجليلى جبير بالانضمام إليها.. فقرر أن يقدم له من الهدايا ما هو أكثر وأن يقطع الطريق عليه.. وراح يستشير أهل بيته.. والمقربين من عشيرته..
فقالت له حسنا وكانت تقرض الشعر وتحسن الأدب:
-اذهب يا أبى وإليه واتخذه ولدا.. فلولاه لكنا الآن أسرى وجوارى.. ولولاه لكنا مشردين فى البيد أو فى بلاد الجليلى إماء وعبيد..
اطمأن النعمان لحكمة ما استقر رأيه عليه، رغم معارضة أبيه حنظل الذى قال لجبير:
-يا بنى.. لقد صرت كبير السن واهن العظم غير قادر على حكم البلاد.. ولقد عزمت وتوكلت على الله.. إن قتلت الجليلى وكفيتناه شره.. أن تكون لنجد حاكما فأنت لها.. ومن أهلها.. وأن أزوجك ابنتى حسنا.. والتى لولاك اليوم لصارت عند الجليلى جارية أسيرة.. فأنقذتنا وأنقدتنا وأنقذتها لتظل مكرمة وأميرة.. فهى لك وأنت لها..
فوجئ جبير بما يعرضه عليه النعمان، فه من مكانه إليه وقبل يديه.. وقال له:
-أنت كأبى يا سيدى.. وقد غمرتنى بفضلك، وجعلتنى من ضمن أهلك. فافعل ما بدا لك فأنا طوع أمرك.. وما جئت إلا لنصرتك على عدوك فلا تشغل بغير ذلك بالك..
لكن الملك النعمان لم يضع الوقت بل أراد أن تسير الأمور إلى ما عقد النية عليه.. فدعا رجاله وأهل دولته وعرض عليهم فكرته.. وأمرهم أن يلبسوا جبيرا بدلة الملك فألبسوه.. وأن يجلسوه على كرسى الإمارة فأجلسوه وبايعوه..
وقال له:
-الآن يا جبير أصبحت حاكم بلاد نجد فخلصها من الأعداء.. واكتشف عنها البلاء..
ثم أحضروا القاضى.. وعقد له على حسنا بنت النعمان، وبات الجميع فى طرب وانشراح حتى طلع الفجر ولاح الصباح..
أرسل جبير إلى الجليلى مكتوبا يهدده بالويل.. إن لم يقم بتسليم نفسه إليه أو ينسحب إلى بلاده بما معه من رجال وخيل.. فاشتد الغيظ بالجليلى وأرغى وأزيد.. وأمر بدق الطبول وبالهجوم على رجال نجد..
والتحم الجيشان وتلاقت السيوف.. واصطدمت الدروع بالدروع.. والتحمت الرماح بالرماح.. وأخذ جبير يبحث عن الجليلى وسط الجموع حتى عثر عليه.. وطارده حتى لحق به.. وطوقه حتى حصره.. وضغط عليه حتى عصره. وضربه بالسيف فأطاح برأسه.. وما أن رأت جيوش الجليلى ما حدث لقائدها.. حتى وهنت منها العزائم ولم يقم لها قائم.. فولوا هاربين مهزومين.. بينما لاحقتهم جيوش جبير والنعمان.. حتى طردوهم من بلادهم.. وعادوا بكل الغنائم والأسلاب وردوا ما سلبوهم من أموال وحرروا ما أسروهم وسبوهم من نساء ورجال.. عادوا جميعا ومعهم رجال الرحال.. الذى اندفع بعد أن تأكد من انتصارهم إلى القتال ليشاركهم شرف النصر كما قال..
قال الراوى..
سبحان مغير الأحوال..
ومقدر مصائر الرجال..
فقد وهب النعمان إلى جبير كل ما ملكت يداه.. فصار هو ملك نجد حاكما على مائة ألف قرية.. وشاع خبره فى البلاد وانضم إليها المئات من خير الأبطال والأجناد.. وتحدث عنه وعن كرمه الشعراء والأمراء.. فقد فاق النعمان فى كسوة العريان وإطعام الجوعان.. وإكرام الضيف.. وصارت بلاده مقصد كل الناس فى الشتاء وفى الصيف..
ألم أقل لكم سبحان مغير الأحوال ومبدل مصائر الرجال..
فها هو الشريد..
يستقر له الأمر من جديد..
لدرجة لا يستطيع معها أن يطلب المزيد..
ولكنك تريد وأنا أريد، والله يفعل ما يريد.
وإلا لظل القديم قائما لا يفسخ الطريق للجديد..




زمار الحى لا يطرب حكاية سالم الشاعر



زمار الحى لا يطرب
حكاية سالم الشاعر
قبيل الفجر..
خرج الشعراء الثلاثة.. فلاح بن راشد وأخوه سالم وصديقهم اللدود فراج ابن السوداء من خيمة المغنية هند البصرية.. وقد أفلسوا تماما ولكنهم كانوا فى غاية النشوة والمرح..
لقد صرفوا كل ما معهم وصاروا يا مولاى كما خلقتنى، ولكن ما الجديد فى ذلك وهم دائما كذلك.. أنهم قضوا ليلة لن تتكرر مع موسيقى هند الساحرة التى تنطق الجماد وتحرك الحجر.. وأكلوا من الطعام أشهاه، وشروبوا من الشراب أحلاه..
هكذا كانت حياتهم وستبقى هكذا إلى يوم الدين..
-آه.. لا تذكر الدين.. ياسالم.. فأنا مدين بألف لابن البكرية.. ولو شم رائحتنا ستجده أمامى الآن يجرنى للقاضى..
ضحك الثلاثة وهم يتساندون ويتضاربون ويطارد بعضهم بعضا وقد ملأوا الليل صخبا وضجيجا..
هش.. هش.. لقد اقتربنا من بيوت الأمير جابر.. ولو سمعنا نضحك لأمر بجلدنا.
-هش.. هيا.. بنا ندخل عليه لنمدحه..
-أتريد أن تثكك أمك.. يا كاره أمك..
كادت ضحكاتهم أن تفضحهم.. لولا عاد كل منهم ليسد فهم الآخر.. وهم يسرعون بالابتعاد إلى حيث يأمنون ألا يعترض طريقهم أحد قال سالم.
-اسمعوا لقد جائتنى فكرة لو نفذناها لامتلأت سراويلنا ذهبا وفضة..
ضحك فلاح:
-طوال عمرك وسراويلك تمتلئ..
ضربة سالم فوق رأسه.. فضحك فراج وحال بينهما. ولم يكمل فلاح بل طوحت به الضربة، فاحتضن نخلة قريبة سقط تحتها وهو يضحك..
-لم أكن أعنى ما أغضبك أيها القذر.. إن أفكارى أنظف من ذلك كثيرا.. ولكن نفاية ولا تفكر إلا فى النفايات..
-اسمعوا.. أنا أتكلم بكل جدية.. افهموا.. وعدونى أن تطيعونى..
وما الجديد فى الأمر.. طوال حياتنا ونحن نطيعك كعبيدك.. ألم نطعك وذهبنا لمدح ذلك الأمير القبيح الوجه ابن خزيمة.. فجلدنا..
كان تذكر هذه الواقعة بمثابة بركان من الصخب والهرج.. لا حدود له هز سكون ليل الصحراء.. بقهقهات كقهقهات الشياطين المرحة.. الضاحكة.. وهذا بالضبط ما جعل الحراس ينكمشون بل ويبتعدون عن مصدر هذه الضحكات المهولة المجهولة..
-هل كان من الضرورى أن تصفه بالأسد الغضنفر.. فى حضور زوجته..
-لقد ظنت أنك تعرض بها..
-لا .. وقلت له.. وجهك كالبدر فى الظلماء.
-كاذب.. من أصل وجهك..
-لا .. من أصل وجهه..
-ولكن هذه المرة.. عندى ما يعوضكم.. أقسم لكم أننا لن نفلس بعد اليوم.. صدقونى فأنا من فترة وأنا أتقصى حقائق القصة التى سأرويها لكم.. وقد وصلنا لطريقة تجعلنا أغنى شعراء البادية.. والحضر أيضا..
- أية قصة؟..
- قصة أميرنا جابر..
- مرة أخرى.. أسمع.. كفى ما لقيناه الليلة من إفلاس.. واتركنى أذهب لأنام..
-لا نكن عجولا.. فالأمر لا يخص جابر.. ولكنه يخص أخاه جبير..
-وأين هو أخاه.. يا أخى.. يا ليتنى فعلت معك ما فعله جابر بأخيه.. كنا الآن ننعم برضى العيش بعيدا عنك..
-لا.. كنت أنا الذى سيعيش ملكا.. لو كان حظى كحظ جبير..
-حظ؟.. لا.. الأمر فيه ما فيه.. اهدأ يا فراج ودعنا نسمع له هذه المرة ولتكن الأخيرة..
-كل مرة تقول أنها الأخيرة..
-هذه المرة.. أخيرة.. أى أخيرة.. فليس لدينا ما نفعله سوء هذا.. ما هى القصة؟
-كتبت قصيدة فى مدحه، ولكنى حكيت فيها كل ما عاناه من غربة وقسوة.. وكيف جاءه الفرج بعد الشدة.. ولكنى ضمنتها ما يوحى بأن قدره.. إنما هو طرف من قدر أجداده.. وقلت فيها أنه سيكون رمز انتصار وسعد أهله.. منذ جده هلال إلى الأبد.. وضمنتها ما تحمله فى شجاعة الرجال هو وأمه من تعب وتشريد حتى تم سعده ومجده..
-من جابر؟!.. أى مجد وأى سعد؟..
-ليس جابر يا غبى.. وإنما أعنى أخاه.. جبير..
-وأين نجده؟..
-أنا وجدته.. أنا لا ألعب.. أنتم تلهون وتعبثون وتفلسون.. وأنا الذى ينقذكم دائما..
تربصا به كعادتهما ليوسعانه ضربا.. إعلانا عن موافقتهما على خطته رغم أنهما لا يفهمان كيف ولا متى.. ولكنهما أسرعا خلفه لإعلان الموافقة بطريقتهما.. فأطلق هو كالعادة أيضا ساقية للريح.. فهو يعرف أن موافقتهما على اقتراحاته التى غالبا ما تنجح.. لا تكن إلا بعد أن يشبعا رغبتهما فى ضربة علقة ساخنة ترعب ثعالب الصحراء فى أوجارها..
قال الراوى..
منذ شهور وسالم يتقصى الأخبار.. ويسأل يتقصى الأخبار.. ويسأل الفرسان والتجار.. كان قد سمع برحيل جبير من بلاد السرو وانقطاع أخباره.. إذ هدد جابر كل الملوك والأمراء الذين بجواره.. وأنذر من يحميه أو يقويه بتخريب دياره..
ولم يكن المنذر فى صحة تجعله يفرض على جابر أن يخفف من غله أو أن يأمره بترك أخيه فى حماية أخواله وأهله.
وعرف سالم بما جرى مع جبير.. ونجدته لأمير نجد وانتصاره على الجليلى.. وما حدث من زواجه من بنت النعمان ابن حنظل التى كانت أجمل بناته.. وكيف انتشرت أخبار كرمه وبطولاته..
فاقنع صاحبيه.. وشدوا ثلاثتهم الرحال إليه.. وكان قد نظم عنه قصيدة عصماء.. يحكى فيها قصة جده الكبير هلال.. وما جرى له مع المنذر سيد الرجال.. وكيف أن لعنه بنت رسول الله على سلالته بالتشرد والشتات.. ودعوتها لهم بالنصر والثبات.. ومازالت تحكم تصرفاتهم.. وتلون بالفرحة وبالحزن حياتهم..
فلما دخلوا على جبير وأنشدوه أشعارهم عرفهم جبير، فأخذ يسألهم عن أهلهم وديارهم، وأصر على أن يستضيفهم لأربعين ليلة كاملة، شهدوا فيها صنون الكرم والإكرام.. ما لا ينسى على مر الأيام..
وفى النهاية سمح لهم بالذهاب بعد أن أعطاهم عطايا تأخذ بالآلباب، فخع عليهم ثلاث خلع.. غاية فى البدع.. وأعطاهم ثلاثمائة جمل. كل جمل محمل بما حمل.. وثلاثمائة رأس من الخيل الأصيل.. التى تتقاتل فى سبيلها القبائل. هذا غير الدنانير التى تقلي بمكانة الأمير جبير. وعاد الشعراء الثلاثة وهم لا يصدقون.. أن خطة سالم وقصيدته لن تدعهم بعد اليوم يفلسون..
ولما عادوا للديار انتشرت عن عودتهم الأخبار حتى وصلت إلى جابر فاغتاظ وثار.. وخاصة عندما رأى الناس يتحدثون عن كرم جبير، الذى رأى منه هؤلاء الشعراء الكثير.. وكان غضبه أكثر لأنه أحس أن جبير لم تبتلعه الصحراء.. وأنه هو الذى يتحدثون عنه.. وأنه رغم ما فعله معه نجا وفاز.. وصار على هذه الدرجة التى يلهج بالثناء عليها الشعراء..
فأمر بإحضارهم ليتحقق بنفسه من أخبارهم.. فقال لسالم:
-أرأيتم.. أخى جبير.
فأسمعوه أشعارهم.. طلبا لرضاه. وللتخفيف من غضبه.. وطمعا فى عطاياه.. ولكنهم عندما أعادوا على مسمعه.. ما رأوه من كرم الأمير جبير أمير نجد، وما له من هيلمان وسلطان.. صاح بهم:
-ليس عندى لكم سوى الجلد والقتل.. فكيف تقبلون الهدايا من الأعداء..
ولولا أن أبوه تحامل على نفسه وحضر المجلس لفعلها.. وجر على نفسه وعلى أبيه العار.. قال المنذر:
-لقد تماديت يا جابر.. منذ سنين وأنا صابر.. طردت أخاك وأغضبت أمك.. وتأتى الآن تريد أن تجر علينا عار العرب.. فتهين الشعراء وتفكر فى قتلهم.. والله.. الذى نفسى بيده لو كنت بصحتى لأطحت برأسك أنت.
فاعتذر للشعراء على الفور..
وهنا قال سالم:
-ياسيدى المنذر.. اسمح لى أن أقول لك أننى تأكدت أن جبير هذا هو جبير ابنك.. فلقد أنشدته قصيدة تحكى قصتك مع والدك.. وكنت أريد أن أرى تأثيرها عليه.. فإذا به عندما سمعها يبكى حتى سالت الدموع أنهارا من عينيه..
حاول جابر أن يضرب الشاعر سالم ليسكته.. لكن أبوه قفز من فراشة ومنعه، بل ولطمه لطمه أخرسته، وكأنما عادت إليه صحته وفتوته..
مما أخرس لسان جابر فلم ينطق بكلمة.. حتى عندما رأى المنذر يسير على قدميه.. ويجلس على كرسيه، ويأمر على الفور بشد الرجال لكى يكحل عينيه برؤية ولده الذى رأى على يد أخيه أهوال الغربة والتشرد.. مثلما ذاقها هو على يد والده هلال.. لكنه لن يسمح للأب فيه.. أن يقسموا كما قسا عليه فؤاد أبيه..
قال الراوى..
ثم أن المنذر ركب وركب معه مائتان من الأبطال ومائتان من الجمال محملة بالأحمال.. طالبا بلاد نجد ليرى ابنه جبير وليعتذر له ولأمة عذبا.. عما فعله بهما جابر ابن هذبا.. التى طلبت أن يأخذها معه لكى تعلم عذبا أنها برئية مما ارتكبه جابر من أفعال دنيئة..
وما أن اقتربوا من نجد حتى أرسل المنذر الشعراء الثلاثة ليخبروا الملك جبير بقدوم أبيه إليه.. ليعتذر له وليكفر عما لا قاه بسبب أفعال أخيه..
وأمر الملك جبير أن يخرج فى موكب عظيم لاستقبال الضيوف.. وحوله ألف من العساكر بالرماح وبالسيوف.. يحيطهم ضاربى المزامير وناقرى الدفوف.. وسار إليهم وقابلهم فى منتصف الطريق.. مقابلة الصديق للصديق.. التى هى أطول عمرا وأبقى على الدهر من لقاء الابن بأبيه أو الشقيق للشقيق..
وبعد أن سلموا على بعضهم وسط بكاء الفرحة ونحيب الشوق.. نزلوا عن الخيول.. وتعانقوا حتى جفت العبرات.. وعادت الأنفس راضيات غافرات. وبعد أن ارتاحوا من عناء الطريق، دقت الطبول ونفخت الزمور وشدوا الرحال إلى بلاد الملك جبير..
واعتذر المنذر لابنه وغفر الابن لأبيه.. وتعاهدوا على نسيان ما فات. وأن يصلح السلام بينهم ما هو أت.. فهل يا ترى تتحقق الأحلام.. وتسمح الأيام.. وهل إذا غفر المظلوم للظالم.. يكف الشرير عن فعله الغاشم..
صلوا على سيد "بنى هاشم". وادعوا الله أن يجمعنا فى سلام.. لنكمل الكلام والنظام.
فارس بنى زحلان
قال الراوى..
صلوا على الرسول خير الأنام.. الذى بذكرة يحلو الكلام.. ويفتح لنا باب القبول ويكتب لنا بالوصول، وقولوا معى يا سادة ياكرام.. يبحان من له الدوام.. من ضرب لنا الأمثال بالأقوال وبالأفعال، وجعل التاريخ وحكايات الأبطال عبرة لبنى الإنسان، وعلمنا أن نستعيد ما كان.. كى نستفيد من صراع الخير مع الشر، والقديم مع الجديد.. لنستعد بعقل سليم وعزم شديد لمستقبل الأيام، ونحقق الآمال والأحلام.. ونبنى للأطفال العالم السعيد..
لذلك يا سادة يا كرام سنحكى ونعيد حكايات فارس الفرسان، ومغامرات بطل الأبطال: بركات، سلامة الهلالى، أبو زيد!!
معركة لا تسيل فيها الدماء
كانت الأرض المنبسطة تبدو كساحة قتال عنيف لا يهدأ، وإن كان قتالا بلا ضحايات، لا تسيل فيه الدماء.. كان الشباب من أبناء قبيلة "الزحلان" يتدربون على فنون القتال، تحت إشراف معلمهم الفقية العجوز "ابن الخطيب" الذى كان يدور كالنحلة بينهم، ملقيا بتعليماته، منبها أحدهم لخطأ قاتل، أو معدلا وضح رمح فى يد آخر، أو معترضا على طريقة ثالث فى الاشتباك..
وكان صوته المشروخ المثير للضحك هو الصوت البشرى الوحيد الذى يرتفع وسط صليل السيوف وطقطقة الرماح، واحتكاك العضلات بالعضلات، أو ارتطام القبضات بالرءوس، أو اصطدام الأجساد بالصخور والأرض الصلبة.
فى السماء، كانت الطيور الجارحة تحوم فى صمت وقد خدعتها الأصوات والآهات، فنت أنها معركة بعدها وليمة من الضحايا.. فمضت تدور فى سماء الساحة فى تربص وجشع، دون أن تعلم أن تلك ساحة تدريب، لا تخلف أشلاء ولا تسيل فيها الدماء.
مضت الساعات وأبنا قبيلة الزحلان لا يتعبون، إذ كانوا يعرفون أن مكانة قبيلتهم وسط القبائل، فى تلك الصحراء القاسية، مرهون باتقانهم فنون القتال، وكان لديهم إحساس غير قليل بالعار لأن ملكهم إضطر منذ سنوات، أن يقبل مرغما دفع نسبة فادحة من أموالهم وأنعامهم، إلى عدوهم اللدود (أبو الجود) بعد أن هزمهم وأجبرهم على التزام حدود وادى الدقائق ووادى النسور، تاركين الأرض الخصبة مكتفين بالأراضى البور.
كان أبناء الزحلان يدركون قيمة مال يمتلكه ذلك العجوز الماكر، والذى يتولى تدريبهم، ويعرفون أن حريتهم مرهونة بأن يستوعبوا ما لديه من علوم وخبرة.. فى فنون القتال.. لذلك كانوا يطيعونه ويحبونه، وإن لم يخل الأمر تماما من محاولتهم السخرية من طريقته فى نطق الحروف، خاصة عندما يغضب، فكانوا يقومون بتقليده فى أسمارهم خفية عنه طبعا.. لأن أقواهم ما كان يصمد أمامه لحظة، رغم كبر سنة وضآلة حجمه إن أراد يعاقبه، أو يلقنه الأدب.
قال الراوى..
وحده "بركات".. كان يستطيع ذلك..
ترى هل كان ذلك لأن بركات الذكى الماهر كان أحف حركة منه، ويستطيع تفادى حركاته الماكرة المفاجئة، ويتوقعها قبل أن توقع به، بطريقة يبدو معها التلميذ، أكثر من أستاذ مهارة.. أو ند له حين يتصدى له بجدارة..
أم لأن ابن الخطيب كان يتسامح معه، لأنه أحب أبناء الملك الزحلان إلى أبيهم.. أم لأنه يحبه بالفعل ويجد فيه تلميذه النجيب، لذكائه الشديد ورأيه السديد، وقدرته على استخدام عقله، بنفس القدرة على استخدام عضلاته وسيفه الحديد..
إكتسب بركات هذه المكانة فى قلب معلمه منذ أحضره إليه الملك الزحلان ليتولى تدريبه وتعليمه منذ أكثر من خمس سنوات وكان صبيا ما يزال.. يومها تعجب الفقيه قليلا لأنه لم يسمع باسمه من قبل كأحد أبناء الملك. لكنه حين حاول أن يسأل عن ذلك، نهره الملك بشدة قائلا:
-أن هذا الأمر سر شخصى للملك وحده..
فابتلع المعلم لسانه، وطوى الشك فى قلبه، وتعامل مع بركات على أنه أحب أبناء الملك إليه دون أسئلة..
كان للملك الزحلان ولدان آخران، هما منعم ونعيم يتعلمان فنون الحرب، وبتدربان على القتال، مع أخيهما بركات.. وذات يوم، أراد الشيخ أن يعاقبهما بالجلد لخطأ جسيم ارتكباه.. لكن بركات أشفق عليهما.. وتحمل الضرب بالسوط عنهما، دون آهة ألم واحدة.. مازاد إعجاب معلمه به، وزاده قربا منه، حتى صار يعهد عليه بمتابعة تدريب أقرانه، حيث يغيب لشأن من شئونه.
وزاد الأمر بينهما توثقا، بذلك الاتفاق الطريف الذى عقده بركات معه، يوم ساومه فى مرح:
-دينار ذهبى كل يوم.. فى مقابل أن تعلمنى لسان الفرس والترك والأكراد.. ولهجة البربر ولغة الطليان..
-دينار ذهبى؟
-ذهبى!!
-كل يوم؟!
-كل صباح.. وأيضا تلقننى أسرا الصباغة والصناعة وعلوم الكيمياء.
دهش اين الخطيب وقال:
وكيف تستطيع أن تستوعب كل هذا؟ وأنت تتدرب على فنون القتال والحرب؟
ضحك بركات وقال:
-هذا شأنى يا صاح، ودينار ذهبى لك كل صباح..
وقبل الشيخ الاتفاق، فى البداية على سبيل الفكاهة، كان يتصور أن بركاتا سوف ينسى بعد فترة تلك العلوم الصعبة، وسيمل منها، ويشغل كغيره من الشباب فى اللهو واللعب، والطعام والشراب، بدلا من إرهاق عيونه بالورق والكتاب..
ولكن بركات لم يغفل، وظل على مثابرته فى استيعاب فنون الضرب والحرب والفروسية، بقدر اندماجه فى دراسة الكيمياء والصباغة واللغات الأجنبية..
وكل يوم كان الرجل يضع الدينار الذهبى فى كيس خاص يزداد بمرور الأيام إمتلاء فى الوقت إلى يزداد معه حبه لبركات، الذى كان يزداد كل يوم شجاعة وذكاء..
أخر الدنانير
-بركات… بركات.. أدركنا يابركات..
رددت الجبال المحبطة بالوادى صرخة، الرجل ، الذى جاء منطلقا فوق حصانه، مخترقا ساحة التدريب.. توقف اللعب فجأة حتى أن بركات نسى أن ينزل الرجل الذى كان يصارعه، وظل يرفعه فوق رأسه لفترة قبل أن يلقى به وهو يحدق فى القادم الضارخ… وأقترب منه الشيخ ابن الخطيب مستطلعا الأمر، حتى وصل الرجل فنزل من فوق حصانه.. واندفع نجو بركات..
-أسرع يا بركات.. لقد فاض الكيل بأبيك الملك.
-ماذا حدث؟
-تمادى أبوالجود يا بركات، وتعدى حدود الأدب.
هل هاجم مضاربنا..؟!
-يا ليته فعل.. ولكن الأدهى من ذلك أنه تعمد إهانة ملكنا والإساءة إليه!
بكى الرجل، وهو يقول ذلك فأخذ بركات يربت على ظهره مهدئا..
-اهدأ.. واحك ما حدثز. دون زيادة..!
-لقد أرسل أبو الجود عبدا حقيرا من رعاة الغنم برسالة لأبيك، ينذره بدفع ما قرره علينا من أموال فى الحال.. وإلا.. دمر مضاربنا وأحرقها.
ابتسم بركات ليخفى غيظة وإنفعاله.
-ولكن موعد الدفع لم يحن بعد، فماذا وراء هذه العجلة..؟!
-أن لهجة الخطاب المهينة أصابت والدك بأزمة، حتى خشينا عليه.. وأظن أن أبا الجود يقصد هذا تماما.. لذا تعمد تجاوز حدود الأدب..
لم يجب بركات ولم يعلق، وإنما أسرع وقفز ممتطيا حصانة دون سرج، وأرخى لجامه فإنطلق به. أشار ابن الخطيب إشارة أنهى بها التدريب، واندفع الرجال على أثرها يمتطون جيادهم، وينطلقون فى أثر بركات، مثيرين عاصفة من الغبار، هيجت الطيور الجوارح مرة أخرى، فمضت تحوم صارخة فى سماء الوادى..
بينما عاد ابن الخطيب نحو كهفة المنحوت بين الصخور.. مد يده، تناول الكيس الذى يحتفظ فيه بدنانير بركات الذهبية.. فتحه فى هدوء.. وأسقط دينار اليوم مع أشقائه وتمت وهو يغلق الكيس ويعيده لمكانه..
-أنا متأكد أنك ستكون آخر دينار يدفعه لى بركات.. فقد نضج الآن، وصا مؤهلا ليتصرف تصرف الفرسان.. وصار يمتلك من الشجاعة والقوة ما يكفى، لكى يدله قلبه الكبير وعلقه الراجح.. على الفعل الصحيح لفارس نبيل..!
عفوك يا ملك زحلان
قال الراوى..
وصل بركات إلى مضارب الزحلان فقفز من على حصانة وانطلق إلى داخل خيمة الملك مزيحا من يقابله من الحراس وهو يزمجر غاضبا..
وما أن رأى المنظر الذى أمامه حتى انفجر غضبه فى آهة زلزلت أركان المكان.. كان الملك زحلان جالسا ينتفض من الغم والكمد وحوله رجاله المقربين عاجزين لا يجزؤن على الكلام بينما يقف أمامهم وسط الخيمة عبد يرتدى ثيابا رثه معجبا بنفسه كطاووس أنساه غروروه ما يجب أن يكون عليه من أدب فى حضرة الملك زحلان..
أمسك بركات بخناقة حتى كادت تختنق أنفاسه.. ورفعه بيد واحدة.. وصاح فى وجهة:
-هل أمرك سيدك اللعين أن تتطاول فى حضره أسيادك أيها الوغد اللعين وأن تتجاوز حدود الأدب؟
ثم ألقى به بعيدا فكومه فى آخر الخيمة كبعض النفاية.. واندفع فتناول الخطاب من يد والده المرتعشة.. فلما قرأه ازداد غضبه وبرقت عيناه تطلقان شرر الغضب، وأسرع مكشرا عن أسنانه نحو العبد حختى ظن الواقفون أنه سوف ينهش لحمه.. ولكنه رفعه من قفاه وأخرج سيفه القصير فانطلقت آهة فزع من فم العبد المسكين.. وقام بركات بحلق فروة رأسه. ثم مزق الرسالة بنفس السيف.. وخلط الشعر بباقى الرسالة وحشاها تحت صديريته وهو يزمجر..
لولا أننى أحتاج لنذل مثلك كى يوصل رسالتى لأبى الجود.. لمزقتك إربا إربا… هيا.. وقل لسيدك الجبان.. هذا هو رد الملك الزحلان.. وقل له أن نفس السيف فى انتظاره لا ليقطع شعره فقط.. بل لجز لسانه ورقبته.. قل له يا أبا الجود لقد ارتكبت خطأ ستدفع ثمنه غاليا..
ثم حمله بقبضة يده مرة أخرى حتى أجلسه مقلوبا على ظهر حصانه.. ووكز الحصان وكزة جعلته ينطلق حرونا بالعبد المقلبو وسط ضحكات فرسان بنى الزحلان الذى كانوا قد لحقوا به لشهدوا المنظر الأخير ويهتفوا إعجابا به..
قام الملك زحلان وقد عادت الروح تدب فى أوصاله.. واحتضن (بركات) فى حب وقال له:
-يا بركات ياولدى.. لقد أعدت الدماء إلى عروقى.. الآن أطمئن لقدرة بنى الزحلان على الوقوف أمام جبروت أبى الجود.. ورد مظالمه التى طال احتمالنا لها.
وابتدأ بركات فى تجهيز الجيش.. والاستعداد للخروج لملاقاة أبى الجواد الذى لابد أنه سيستشيط غضبا عندما يصل إليه العبد المقلوب فوق الفرس محلوق الرأس ليسلمه الرسالة الممزقة..
مقتل الوزير عجير
غضب أبو الجود غضبا شديدا وأمر بدق طبول الحرب للانتقام من الزحلان وتأديب ملكها.. لكنت الوزير عجير وزير أبى الجود سأل العبد راشد عمن فعل به هذا.. ومن الذى حمله تلك الرسالة المهينة.. فقال العبد راشد:
-لم يكن الملك زحلان يا مولاى ولكن عبد أسود من عبيده اسمه بركات.
فازداد غضب أبى الجود وهب قائما ليقود الجيش ولكن الوزير أصر على الخروج بدلا منه.. لإحضار ذلك العبد الأثيم لتأديبه.. إذ لا يليق به يخرج ليطارد عبد كبركات.. ووافق أبو الجود وسمح لوزيره بالخروج فى عشرة آلاف مقاتل لأسر ذلك العبد وإحضاره حيا، ليشفى غليله..
قال الراوى..
التقى الجيشان فى أحد الوديان، واندفع كل منهما نحو الآخر اندفاع العاصفة.. واشتبك الرجال بالرجال.. والتحم الفرسان بالفرسان.. ونادى الوزير على بركات أن يبرز إليه.. فوجده يبحث عنه.. واصطدم الرجلان كالجبلين.. كان الوزير مقاتلا قديرا ومبارزا خطيرا.. فانقض على بركات فى شجاعة، وجذبه جذبة كادت تخلعه من فوق فرسه، لولا مهارة بركات وقدرته على الصمود.. فارتمى فى مرونة إلى جانب سرجه وتفادى حربة الوزير ثم استقام على ظهر حصانه وانزلق، وهو يسدد حربته إلى صد الوزير مباشرة فاخترقت جسده وهو يصيح صيحة شلت حركة الخيل والفرسان.. فوقفوا يساهدون جسد الوزير وهو ينهار ومرتطما بالصخور والأحجار.. فى منظر رهيب، أثار فزع رجاله فولوا الأدبار.. بينما تصاعدت صيحات رجلال الزحلان، فرحين مهلين بالانتصار..
وحين وصل الخبر إلى أبى الجود ركبه الهم والغم.. وخاصة عندما عرف أن العبد بركات الذى مزق رسالته، هو الذى قتل وزيره.. فصاح صيحة الحرب
وقال:
-لم يعد لك منى يا بركات مفر.. ولن يكون للزحلان بعد اليوم أرض ولا مستقر..
رب إبن لك ليس من صلبك
قال الراوى..
طلب بركات من ملك زحلان أن يبقى فى المضارب وسيكفيه هو عناء القتال ولكن الملك رفض وجمع أنباؤه منعم ونعيم، وأشقاء زوجته جابر وجبير وأمرهم باللحاق ببركات، وهو يقول لنفسه:
عشت معى يا بركات كل هذه السنين كابن لى، بل أصبحت أعز أبنائى إلى.. وأثبت لى صحة ذلك المثل الذى يقول: "رب ابن لك ليس من صلبك.."؟
ولكن، لا يجب أن تذهب للحرب دفاعا عن الأرض بدلا من أصحابها.. ليس من العدل أن تضحى أنت، بينما أجلس أنا وأبنائى فى عقر ديارنا ننتظر.. لا سنسير معك.. فمصير مشترك..
وقاد بركات الجيش حتى التقى بجيش أبى الجود.. إلى الشمال من وادى النسور وهناك تقدم وصاح بإبى الجود:
كفاك ما ارتكبت من حماقات وإهانات.. فلنحقن دماء الرجال والجنود.. ما دمت قد جئت لتأديبى، فاخرج إلى.. تقدم.. وليحكم بيننا السيف..
برز أبو الجود وصاح به:
-لن ألوث حربتى بدماء عبد نجس مثلك.. عد إلى حظائر الغنم يا
avatar
Admin
Admin

عدد المساهمات : 236
تاريخ التسجيل : 02/03/2012

https://sameer.3rab.pro

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

تابع الشمروخ 17 :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى