المواضيع الأخيرة
صاحببى أما قال انا سلفي
يامصر حضني فردته
Like/Tweet/+1
اعداد الشمروخ
بحـث
السيرة الذاتيه للشاعر
الجمعة مارس 02, 2012 9:15 pm من طرف Admin
الأسم : سمير عبد الباقى
تاريخ الميلاد : 15 مارس
محل الميلاد : قرية ميت سلسيل مركز دقهلية
حصل على الشهادة الابتدائية عام 1950
وشهادة الثقافة العام 1954 ..
والتوجيهية - القسم العلمى عام 1955..
· ثم التحق بكلية الزراعة - جامعة عين شمس …
[ قراءة كاملة ]
تاريخ الميلاد : 15 مارس
محل الميلاد : قرية ميت سلسيل مركز دقهلية
حصل على الشهادة الابتدائية عام 1950
وشهادة الثقافة العام 1954 ..
والتوجيهية - القسم العلمى عام 1955..
· ثم التحق بكلية الزراعة - جامعة عين شمس …
[ قراءة كاملة ]
تعاليق: 0
صحف مصريه
الشمروخ 17
صفحة 1 من اصل 1
07032012
الشمروخ 17
1
2
3
4
5
6
7
دا اللى مش عادى شعر نديم الشاذلى
17شمروخ الأراجوز
شكشكة شعرية غير دورية بالفصحى العامية
بكرة أجمل من النهاردة
مع الإعتذار لصلاح جاهين
شكشكة شعرية غير دورية بالفصحى العامية
بكرة أجمل من النهاردة
مع الإعتذار لصلاح جاهين
الشمس صبحت بليدة صار القمر أرزل من الوردة
شجر الكافور إنهطل .. والريف بقى أهبل وساق العوج
شجر الكافور إنهطل .. والريف بقى أهبل وساق العوج
هجر غيطانه لأخيب ما رأيت ألوان .. وأغبى ما نطق إنسان
إنجن طعم البلح حزنا على النخلة .. النخل هايف مخوخ فاقد الإتزان
إنجن طعم البلح حزنا على النخلة .. النخل هايف مخوخ فاقد الإتزان
النيل صبح منظره بيقلب الأحزان .. شى يا سيد يا بدوى - طعنى فى مقتل
ماتت سعاد حسنى .. وصلاح جاهين انتحر
وعيون أبويا سليم كل فيها الضحى .. ومال شراع السفينة فى رياح العدو
الشعر صار أهطل .. بوخ ورنخ فى الكتب والبوح
الشعر صار أهطل .. بوخ ورنخ فى الكتب والبوح
متلخلخ الأوزان عديم الروح ومتقلقل .. عايز لسان أتقل وعملة صعبة
من أجل يمدح سيادته .. يشكر مسار التاريخ التى وصلنا لفريد وقته
من أجل يمدح سيادته .. يشكر مسار التاريخ التى وصلنا لفريد وقته
عصر الأمان الكامل الأشمل - عصر السكون الزؤام وحده على القبة واضح متزن .. أعقل
بيحكم العقل لما ساعات يزن عليه .. يوزع ع الأكمل وع الأصعب من الأسهل
راخى حبال الهلضمة بإيديه صبح نأطول عريض بقد الوطن .. لا يكل ولا بيمل ولا يتعب
عنى صحيح البدن صاحب نظر واعى .. كل الخيوط فى إيديه بلا داعى
بيحكم العقل لما ساعات يزن عليه .. يوزع ع الأكمل وع الأصعب من الأسهل
راخى حبال الهلضمة بإيديه صبح نأطول عريض بقد الوطن .. لا يكل ولا بيمل ولا يتعب
عنى صحيح البدن صاحب نظر واعى .. كل الخيوط فى إيديه بلا داعى
الكل أعمى يا أعور هو وحده بصير .. لكن لحكمة يبان للحاقدين احول
راقم كصقر الفلا كل البلا الأسفل فاقبل قدر ربنا إنك كئيب جاهل
راقم كصقر الفلا كل البلا الأسفل فاقبل قدر ربنا إنك كئيب جاهل
قبيح طباع زيى متخلف - ولا تخجل مادام سعادته سعيد فرحان بعمره المديد
اللى عشان الأحبة يعيده م الأول .. وثق فى رأيه السديد .. بأن بكره أكيد
اللى عشان الأحبة يعيده م الأول .. وثق فى رأيه السديد .. بأن بكره أكيد
ح يكون معاه أجمل ... ويا عجبى
فزورة ثقافية
· إزاى اشوفك شاعر وانت ضئيل وصغير على حسب ما بتدق الريح ابوابك تتغير كام كدبه يوماتى .. وكان مرة اتعرت عورتك شوف صورتك فى مراية الناس تتحسر
· لساك بتلمع شعرك من ورنيش العسكر
نهنهات المشيب
الشوارع زحمة ولا سوق الخضار
والأوادم هبو تكريعة حمار
فين يا ريح العصف - صرصر
أو هبوب .. تنزعى توب اتصبغ
م القهر - عار ... قد تخضر - زلزلة
الأرض البوار على رصيف الوطن
.. ونبوس ايدينا وش وضهر
الحمد لله المتعال عنينا مش مكسورة وعال
لا خدمنا يوم حدا رأس المال ولا ارتضينا براحة البال
لا قلنا للعسكرى باشا .. ولا نافقنا البكاشه
ولا عشان صحن بغاشه زورنا مفاتيح للأقفال
رضينا برغيفنا العرقان ولسانا كان للحق حصان
من غير لجام لكن فنان فؤاده منبع خير وجمال
لا أكلنا من لحم صحابه ولا والسنا مع ديابه
ولا جورنا على حق غلابه لا بالكلام ولا بالأفعال
عيشنا ما نقبلش الكوسة ولا الفلوس الممسوسة
ولجل مصر المحروسة شيلنا العصا ليمين وشمال
فاعذرنى يا للى انت فاهمنى وجاى بخبث بتتهمنى
أنا مش بضاعة تتمنى لو أعمى ح تشوف م الغربال
احنا كده وعينى تنف عينك وميت سبب بينى وبينك
لألف عله كارهينك كفاية لغك فى البطال
إن كان لى حق عوضنا عليه وإن كان لك أنت قول لى ف إيه
لو حتى ما أعرف اسمك إيه ح ازعق عليه وياك فى الحال
تلقى عصايتى بقت شومة تدق رأس أى حكومة
الموته إيه غير النومة لا تنين وسيلة لراحة البال
حصاد الهشيم
سنابل القمح فى ايديكو سلاح للموت
والدم حجة فى شرعكم للسلم لم الخرابيش
جرحت الحلم يا عكروت
الكاهن الأمريكانى كتب نهاية الفيلم
أراجوزات مصرية
ذاك الذى
لو كان حداه حبة نظر .. كان يستقيل
لكن ضميره من البطر .. بقى نص ديل
مستور بغلطة م القدر .. فى ليل طويل
لا طالع له فجر ولا قمر .. من ألف جيل
عودنا على صمت الشجر .. صبر النخيل
حين طمنوه أن الخطر .. بقى مستحيل
وان البشر رمل وحجر .. بقى مستحيل
سلمها لرعاة البقر .. مسكين يا نيل
أعمانا مع قصر النظر .. عن البديل
شكشكة فى حب مصر
كل هذا اللى أنت شفته من سكوتك
كل شئ مرهون بوقته حتى موتك
لما هان بلدك عليك هنت قبله
كله كان صنعة إيديك حتى هبله
خيبت يوم ريحت نفسك م المناهدة
سيبتهم يمضوا بإسمك ع المعاهدة
والنهاردة جاى بتشكى نقول يا ريت
بكرة ياما لسه تبكى ما جنيت
يفرق إيه باراك شارون ما اتخيروش
كله سايق فى الجنون وبأمر بوش
أحنا فى شرعه سيادته درجة تالتة
مش مزاجه ولا سياسته عقيدة ثابتة
قالها فوستر بيه دالاس جون الهمام
الشعوب دى كما الفرس عايزين لجام
واللجام محتاج لحكام يشكموها
دا تراث تاريخى أصنام يعبدوها
والصنم يجهز بتاجه أو برتبة
ع القانون يدوس مزاجه بنص ركبه
وانت شايف واللى عارف لا يعرف
اللى عاش العمر خايف صار يقرف
خيبه من بره وجوه وبرضه راضى
لا بقى عندك مروه ولا أراضى هموم على لحن مصرى
أحزان الجميز الباط
يبست أشجار الأيام على شط الحزن .. اتفحم اتفحم زهر العشرة وحق أوان الصمت
سقط ريش الوقت المسروق .. اتمطى الخوف فى حوش اليأس ونام
فزورة ثقافية
· إزاى اشوفك شاعر وانت ضئيل وصغير على حسب ما بتدق الريح ابوابك تتغير كام كدبه يوماتى .. وكان مرة اتعرت عورتك شوف صورتك فى مراية الناس تتحسر
· لساك بتلمع شعرك من ورنيش العسكر
نهنهات المشيب
الشوارع زحمة ولا سوق الخضار
والأوادم هبو تكريعة حمار
فين يا ريح العصف - صرصر
أو هبوب .. تنزعى توب اتصبغ
م القهر - عار ... قد تخضر - زلزلة
الأرض البوار على رصيف الوطن
.. ونبوس ايدينا وش وضهر
الحمد لله المتعال عنينا مش مكسورة وعال
لا خدمنا يوم حدا رأس المال ولا ارتضينا براحة البال
لا قلنا للعسكرى باشا .. ولا نافقنا البكاشه
ولا عشان صحن بغاشه زورنا مفاتيح للأقفال
رضينا برغيفنا العرقان ولسانا كان للحق حصان
من غير لجام لكن فنان فؤاده منبع خير وجمال
لا أكلنا من لحم صحابه ولا والسنا مع ديابه
ولا جورنا على حق غلابه لا بالكلام ولا بالأفعال
عيشنا ما نقبلش الكوسة ولا الفلوس الممسوسة
ولجل مصر المحروسة شيلنا العصا ليمين وشمال
فاعذرنى يا للى انت فاهمنى وجاى بخبث بتتهمنى
أنا مش بضاعة تتمنى لو أعمى ح تشوف م الغربال
احنا كده وعينى تنف عينك وميت سبب بينى وبينك
لألف عله كارهينك كفاية لغك فى البطال
إن كان لى حق عوضنا عليه وإن كان لك أنت قول لى ف إيه
لو حتى ما أعرف اسمك إيه ح ازعق عليه وياك فى الحال
تلقى عصايتى بقت شومة تدق رأس أى حكومة
الموته إيه غير النومة لا تنين وسيلة لراحة البال
حصاد الهشيم
سنابل القمح فى ايديكو سلاح للموت
والدم حجة فى شرعكم للسلم لم الخرابيش
جرحت الحلم يا عكروت
الكاهن الأمريكانى كتب نهاية الفيلم
أراجوزات مصرية
ذاك الذى
لو كان حداه حبة نظر .. كان يستقيل
لكن ضميره من البطر .. بقى نص ديل
مستور بغلطة م القدر .. فى ليل طويل
لا طالع له فجر ولا قمر .. من ألف جيل
عودنا على صمت الشجر .. صبر النخيل
حين طمنوه أن الخطر .. بقى مستحيل
وان البشر رمل وحجر .. بقى مستحيل
سلمها لرعاة البقر .. مسكين يا نيل
أعمانا مع قصر النظر .. عن البديل
شكشكة فى حب مصر
كل هذا اللى أنت شفته من سكوتك
كل شئ مرهون بوقته حتى موتك
لما هان بلدك عليك هنت قبله
كله كان صنعة إيديك حتى هبله
خيبت يوم ريحت نفسك م المناهدة
سيبتهم يمضوا بإسمك ع المعاهدة
والنهاردة جاى بتشكى نقول يا ريت
بكرة ياما لسه تبكى ما جنيت
يفرق إيه باراك شارون ما اتخيروش
كله سايق فى الجنون وبأمر بوش
أحنا فى شرعه سيادته درجة تالتة
مش مزاجه ولا سياسته عقيدة ثابتة
قالها فوستر بيه دالاس جون الهمام
الشعوب دى كما الفرس عايزين لجام
واللجام محتاج لحكام يشكموها
دا تراث تاريخى أصنام يعبدوها
والصنم يجهز بتاجه أو برتبة
ع القانون يدوس مزاجه بنص ركبه
وانت شايف واللى عارف لا يعرف
اللى عاش العمر خايف صار يقرف
خيبه من بره وجوه وبرضه راضى
لا بقى عندك مروه ولا أراضى هموم على لحن مصرى
أحزان الجميز الباط
يبست أشجار الأيام على شط الحزن .. اتفحم اتفحم زهر العشرة وحق أوان الصمت
سقط ريش الوقت المسروق .. اتمطى الخوف فى حوش اليأس ونام
راجع من سوق المدن المكسورة الخاطر .. بأغانى قوافيها تراب
تشد الخطوة من غيم دخان الأمس تعد الملاليم الباقية من مشاوير الحلم - عذاب
حلمك عت كمل البشت القطن وداب فاكر إنك لو ما سلمت - سلمت
حلمك عت كمل البشت القطن وداب فاكر إنك لو ما سلمت - سلمت
بتلوم نفسك لو كنت سرقت الفرحة من الكدب أو كنت عصرت على عكارة عنبك عناب .. ما كنت ندمت .. كنت قدرت نطقت مديف فى الطمى جدورك ورقت
جبرت بخاطر عصافير القمح وبوابات اللبلاب وكإنك ما عرفتش أن حبيبتك
تاجراسك .. حلت ضفايرها لأول من دق على الباب .. يا قلب أمها - ما ساومتش
على سلو العمر الجارى .. وما شرطتش ما كانتش جعانه ولا كانت قلة عشاق خطاب
ما كنش بتصبغ عشان تستر عرض يتامى الحى المفاعيص يا جباير جبرها
جبرت بخاطر عصافير القمح وبوابات اللبلاب وكإنك ما عرفتش أن حبيبتك
تاجراسك .. حلت ضفايرها لأول من دق على الباب .. يا قلب أمها - ما ساومتش
على سلو العمر الجارى .. وما شرطتش ما كانتش جعانه ولا كانت قلة عشاق خطاب
ما كنش بتصبغ عشان تستر عرض يتامى الحى المفاعيص يا جباير جبرها
طهقت من قلة فهم الأرياف . م اللؤم الزاحف فى شقوق الغلب صعايده
لودها حنينك للمواويل العاجزه حتى عن خضرة ورق الصفصاف نشف ريقها البلح الصيص والجميز الباط
فضلة خير الجيل الجاحد جيد العمل الثورى اللى الدنيا اتسرقت منه
زى عوازى سنباط .. جرحتها اللقمة حلال الحاف .. مدت رجلها للراحة ما لقيتش لحاف
لودها حنينك للمواويل العاجزه حتى عن خضرة ورق الصفصاف نشف ريقها البلح الصيص والجميز الباط
فضلة خير الجيل الجاحد جيد العمل الثورى اللى الدنيا اتسرقت منه
زى عوازى سنباط .. جرحتها اللقمة حلال الحاف .. مدت رجلها للراحة ما لقيتش لحاف
قرصت قلبها حرقة ذنبها .. قهرها .. حزنها .. غنها .. إنتهى وقتها .. عمرها منها
تحرس أشجار ما بتطرحش .. ترضع أطفال ما بتكبرش
تعشق رجاله محشيين من الرأس للساس القش .. بقش .. والدنيا ما بتسيبش الخلق فى حالها
وانت زى ما إنت قد الجحش صغير زيه وما بتفهمش ... إن الدم اللى ما بيسيلش .. بيتخثر...والجرح اللى ما بيحزنش .. بيحسر والحلم اللى ما كانش مرايه وقبقاب - اتكسر
انات اللى ف كتمة نفسك متعتر .. عداك اللوم .. فى الهم بتتمنظر
انات اللى ف كتمة نفسك متعتر .. عداك اللوم .. فى الهم بتتمنظر
بتفسر وانت يا دوبك بتدق أبواب الصبح ومأزوم .. مش معترف إنك خارج بقصيدتك
من غبرة أول عركه ... مهزوم
دا اللى مش عادى شعر نديم الشاذلى
عادى إنى أكره أبويا وامى .. ساعات
واكون جبان أو ندل .. واحتقر نفسى
من غبرة أول عركه ... مهزوم
دا اللى مش عادى شعر نديم الشاذلى
عادى إنى أكره أبويا وامى .. ساعات
واكون جبان أو ندل .. واحتقر نفسى
وعادى ؛ إنى انكسف اكتب كلام ع الورق
وعادى ؛ غنى أحب نالفن . دا كله عادى وساعات
***
زمان .. الميه كانت مقطوعه
أبويا واصحابه .. اتيمموا بتراب الوطن
وانا النهاردة .. نفسى اصلى والميه عكره .. زى المجارى
ولا باقى من تراب الوطن .. غير حبة زلط وحصاوى
والعجيب .. إن ابويا وصحابه
ماكانوش بيصلوا
***
هوه عادى .. إنى اوه .. وانا رايح لصاحبى
لإنى مش أروح له وعادى .. إنى أبوح بعينيا
وعادى ؛ غنى أحب نالفن . دا كله عادى وساعات
***
زمان .. الميه كانت مقطوعه
أبويا واصحابه .. اتيمموا بتراب الوطن
وانا النهاردة .. نفسى اصلى والميه عكره .. زى المجارى
ولا باقى من تراب الوطن .. غير حبة زلط وحصاوى
والعجيب .. إن ابويا وصحابه
ماكانوش بيصلوا
***
هوه عادى .. إنى اوه .. وانا رايح لصاحبى
لإنى مش أروح له وعادى .. إنى أبوح بعينيا
وما تكلمش . واكلم نفسى
ونفسى ما تسمعنسش
واسد ودانى واتغابى
***
عفريت فى علبة .. طلع لى
وما تخضيتش وما فرحتش
سألنى : شبيك .. لبيك ؛
أنا عبدك وملك إيديك وانت عبدى وملك غيديا ؛
لو تطلب حاجات مش ليك ما فهمتش
قلت له : نفسى ابقى زيك
ونفسى ما تسمعنسش
واسد ودانى واتغابى
***
عفريت فى علبة .. طلع لى
وما تخضيتش وما فرحتش
سألنى : شبيك .. لبيك ؛
أنا عبدك وملك إيديك وانت عبدى وملك غيديا ؛
لو تطلب حاجات مش ليك ما فهمتش
قلت له : نفسى ابقى زيك
قتلنى .. بس مات عاطل
***
وعادى .. إن الشاى بالحليب
***
وعادى .. إن الشاى بالحليب
ما يكونشى فيه سكر . شاى .. شربته قبل المذاكره ؛
وانا مستاء وحليب .. رضعته من أمى
وانا مشتاق .. لكلمة صدق قبل الفطام والفراق
يمكن تحلى الحليب .. ويمكن تحلينى
وانا مستاء وحليب .. رضعته من أمى
وانا مشتاق .. لكلمة صدق قبل الفطام والفراق
يمكن تحلى الحليب .. ويمكن تحلينى
الصدق وللا التراب ..؟! يمكن يحلينى
أقوم اصلى الفجر .. وده اللى مش عادى
***
مين لك تبوح له باسرارك
على هامش السيرة الهلالية
أول بداية القول
الحمد لله...
الذي جعل سيرة الآباء وتاريخ الأجداد... عبرة تنير طريق الأولاد، وخبرة يتوارثها الأحفاد، ولما كانت سيرة "بني هلال" من أجمل ما رواه الرواة، ومن أحلى ما تغنى به الشعراء في الأفراح وليالي السهر وأمسيات السمر، وتناقلتها الأجيال عبر السينين، وحفظتها ذاكرة المصريين وغير المصريين، لذا وجدنا أنه واجب لا غنى عنه أن نعيد رواية أجمل ما جاء فيها من حكايات إنسانية وصور ونماذج بشرية في أكثر مناطقها وأحداثها درامية.. في صياغة جديدة تناسب مزاج الأجيال الجديدة وبطريقة ممتعة ومفيدة، محاولين الاحتفاظ لها بطبيعتها القديمة الفريدة.
لكي لا نتوه في تفاصيلها العديدة المتعددة المديدة.. باختيار المناسب من بين تلك التفاصيل، ماله معنى إنساني خالد ودائم، وما يحمل من سمات الصراع الدرامي بين الخير والشر وبين الموهبة والغربة.. بشرط ألا يغفل هذا العدوان وأحلام العيش في سلام، وما بين حب الوطن وآلام الغربة.. بشرط ألا يغفل هذا طرافتها وسحرها وغرابتها... ولا نهمل ما بها من متعة وإثارة... وغير ذلك من السمات والصفات التي جعلت منها سيرة متفردة بين غيرها ومن السير الشعبية التي حفظتها لنا ذاكرة الشعب وبحيث يقرأها الصغار والكبار، فلا يملون ما احتوت عليه في شكلها القديم، من تفصيل وتكرار، ولا يفقدون مع الصياغة الجديدة ما كان لها من سحر ولا ما احتوته من أسرار ولا ما ذخرت به من قيم وأفكار.. وما حوته من إثارة وتشويق، وبطولات وشخصيات حية مؤثرة.. لننعش بها ذاكرة الأجيال الجديدة، ونضع في عقولها بصيصاً ولو خافتاً من الاستنارة... والإيمان بإنسان هذا الوطن على مر الأزمان.
سائلين الله أن يمدنا بالصبر على تحمل الجهد الذي تحتاجه المهمة، وبالقدرة على حمل الأمانة وما تتطلبه من صدق وهمة.
بشارة النصر ولعنة الشتات
اندفع هلال بن عامر خارجاً من الخيمة بحثاً عن نسمة هواء منعشة ترطب صدره في هذا الليل الحالك السواد، وتزيح عن نفسه الانقباض الشديد الذي يعصر قلبه المحاصر بالترانيم الحزينة تهمهم بها النساء في الخيمات المحيطة المجاورة.
ما بال هؤلاء النسوة ينحن هكذا في استقبال المولود الجديد ؟ كأننا نزف أطفالنا للموت قبل أن يتنفسوا أول أنسام الحياة.. ما هذا الفأل السيئ؟
كان الجميع ساهرين فرحين ينتظرون مولود ابنه الأول، لكن النغمة الحزينة التي طاردته إلى الصحراء.. كانت نفسها التي تودع بها النسوة قتلى القبيلة وموتاها... فأخذ يبتعد موغلاً في ليل الصحراء في محاولة عقيمة للخروج من أسر هذا الشجن الرهيب، الذي جعل الليل عديم القمر أكثر عباً وظلمة.
ميراث ثقيل..
ورثه الأبناء عن الأجداد من التغلبين والبكريين.. الذين ظلوا يتقاتلون أربعين عاماً أو تزيد فيما بينهم طلباً لثأر مستحيل.. اشتعلت من أجله حرب البسوس ليروح ضحيتها الآلاف من أبناء وبنات القبيلتين خلال سلسلة طويلة عنيفة من عمليات القتل والقتل المضاد... بعد مقتل ملك التغلبيين كليب غيلة على يد جساس فارس البكريين بتدبير عجوز النحس الماكرة انتقاماً لمقتل أخيها التبع اليماني، فأوقدت ناراً لا تنطفئ يزيد اشتعالها الدماء التي تسيل كل يوم على الرمال بحاراً تفيض قبل أن تغيض.
فما العجيب إذن أن يصبح استقبال المواليد الجدد طقساً حزيناً، فالجميع من نسل القبيلتين على حد سواء رهينة للموت قتلاً.. طال بهم العمر أو قصر.
أربعون عاماً كان هذا هو المصير والقدر..
قدر محتوم لا هروب منه ولا مفر حتى شلت الأيدى وكل البصر، فما العجيب أ، يصبح الحزن غذاء يومياً للروح حتى في ساعات الفرح..
همس هلال بن عامر بهذا لنفسه وهو يتأمل بؤر النيران المتفرقة وسط مضارب القبيلتين.. تحاول أن تخفف عبثاً من ظلمة وبرد تلك الليلة العديمة القمر.
لكن السؤال لم يجد إجابة إلا في تلك الآهات الحرى التي انطلقت من بين شفتيه تغالب دعواته الهامسة أن يكون المولود القادم ذكراً..
قال الراوي:
لما غزا التبع اليماني بلاد تغلب وديار بكر اختطف جليلة أخت جساس البكري وزوجة كليب التغلبي.. شقيق الزير سالم أبي ليلى المهلهل.. ليتزوجها غصباً فاتفق الثلاثة على تحريرها وقتله انتقاما لشرفهم المهان.
وحددوا الوقت والزمان.. ودبروا التسلل إلى خيمته – بمساعدة جليلة- ذات ليلة حانكة السواد، متخطين كل ما أحاط به نفسه من رجال وعتاد.
فلما أحس بهم.. وبالموت الذي يترصده على حد سيوفهم.. تنبأ لهم في إصرار من يكشف ويعرف الأسرار.. أن من سيقتله منهم قبل غيره... سيكون السيد على الجميع ويكون الكل عبيداً رهن أمره.. قائلاً في صوت ضحية محاصرة.
- ضربة السيف التي ستشق قلبي... ستحدد مصير الملك من بعدي.. من يقتلني يملك عرشي!
هكذا قدر وهكذا سيكون... العرش والتاج حق للقاتل وحده..
وانتبه الزير سالم لمكيدة التبع التي يريد بها أن يبث بينهم الفرقة ويجعلهم يتقاتلون ويقتل بعضهم بعضاً.. فاتفق على قتله في الظلام بضربة واحدة... ليقتلوا معده بذرة الخلاف التي ألقى بها في حقلهم.
وكأنما الأقدار كانت تسخر منهم.
إذ اعترف كليب بعد أن أجلسوه على العرش.. أنه لم يضرب التبع بسيفه.. إذا تملكه حين أ"فأ الزير النور في الخيمة.. رعب شديد بسبب الظلام.. فشل يديه، لكنهم لم يعيروا اهتماماً لهذا الاعتراف الفاضح الفاجع..
واعتبروه من باب الزهد في العرش أو من ضرورات التواضع، إذ كان انتصارهم على التبع وتخلصهم من سطوته.. كافياً لصرف الأنظار والنفوس عن التأمل والتحقق من مقولته.
لقد وحد مقتل التبع بين بكر وتغلب... وهذا يكفي..
كما تمكن سالم بحكمته، أن يقنع جساس بالموافقة على أ، يصبح كليب – زوج شقيقته- الملك الذي سيوحد الجميع تحت مظلتها ومظلته.
ولكنه قلب جساس لم يعد صافياً تماماً، إذ تملكه إحساس قوي أنه قد غرر به، فلم يعد ينام إلا لماماً...
ولما كان التغلبيون هم أهل الحرب والقتال وهم الأقوى في العتاد وفي الرجال، ولأن البكريين في العادة كانوا أهل الرعي ورعاية النخيل وتطهير الآبار والاشتغال بشئون الكلأ والأرض.. ظل في قلب جساس شيء ما ... دفيناً.. يدفعه إلى عدم الرضا والخضوع ويغريه بالرفض.
وقانا الله وإياكم شر الخضوع للغرض الذي هو في الحقيقة وقوع في أسر المرض
أشعلت العجوز الحقود وقلبها محروق.. ملآن بشوق الانتقام لأخيها.. قالت لجساس: أجرني.. صرت بلا جيرة.. وأنت سيد قبيلتك ولك حرية الخيرة، أم أنهم من سلطتك جردوك.. يوم سرق الكليب حقك في الملك وحرموك..
وأشعلت العجوز في قلب جساس ناراً كان يحاول إطفاؤها.. فصار يلعنها ولا يهتم بإخفائها.
وصبرت العجوز حتى سنحت لها الفرصة التي تنتظرها.. فأطلقت ناقتها البسوس في كروم وبساتين كليب تأكل من أشجارها.. فتصايح الحراس عليها ولحقوا بها وعقروها.. ولما تصدت لهم العجوز ضربوها.. فمضت تولول وتستجير بالناس وتعلق إهانتها في رقبة جساس.
واعتبر جساس ما حدث إهانة ما بعدها أهانة..
فمضى غاضباً إلى كليب طالباً ما سلب منه من مكانه.. تلك التي لم تعد تساوي عنقود عنب وكرم دمرت أغصانه.
وكلما حاول كليب تهدئة جساس... زاد غضبه وطالب بدم الحراس.. فالناقة وصاحبتها في جيرته.. وتحت حمايته..
ولما سخر كليب من هذا الطلب غير المعقول..
طعنه جاسس طعنته المهول.. التي أشعلت الغضب في القلوب والعقول..
وظلت نارها مشتعلة لأربعين عاماً وقودها الأرواح والنفوس.. فيما عرف عند العرب بحرب "البسوس".
وأعلنها الزير سالم: "لا أصالح.. إلا أن يعود كليب حياً.. يطلب العدل المستحيل.. فأرسل الآلاف من أبناء تغلب وبكر إلى الموت جيلاً بعد جيل.."
وغطت الصحراء نيران الغل والغضب..
ولم يستطع أحد إطفاء اللهب فصارت أغاني الفرح تعزف على ألحان الحزن.. فالأطفال يولدون وقد عرفت مصائرهم.
وتعلموا وتفننوا في فنون القتال... وظل القتل والقتل المضاد بين بكر وتغلب.. يطارد القبيلتين كالقدر المهيمن والمعذب، ومادام الموت قد أصبح شغل الجميع الشاغل.. تركوا أمور الحياة في يد العبيد والإماء.. فجفت المراعي وردمت الرمال عيون الماء.
وسبحان من له ملك الأرض ... والسماء
ابتعد هلال بن عامر كثيراً في جوف الصحراء وعمق الليل، ولكن لحن الحزن ظل يلاحقه ويحاصره..
صاعداً مع زفرات قلبه لرأسه ملاحقاً مشاعره.
فهو نفسه قد ولد يوم موت جده هجرس بن كليب المقتول غيله.. وكأنه يؤكد للقبيلة ثنائية الموت والحياة.. الميلاد والقتل ودورها في رسم مصير القبيلة.. ما الغريب إذن أن يلون الحزن ألحان الفرح.. ألم تكن تلك الأنغام الحزينة هي التي تفتحت عليها أذنيه.. حزنا على موت جده في نفس اللحظة.. ليمتلأ قلبه الغض منذ مولده ويفيض بكل هذا الألم والشجن الذي تثيره هذه الصحراء الملعونة.. المسكونة بأرواح القتلى من الجانبين.. عبر سنين تطارد بإصرار وعناد كل الأحياء بأنين أشباح الميتين من ضحايا.. وقاتلين.
وفجأة.. صمتت موجات لحن الحزن، وارتفعت صيحات البشرى بقدوم المولود، والتقطت أذناه على البعد بشارة مجيء الولد الموعود.. فافتر فمه عن ابتسامة ونزلت من عينه دمعة تعبر عما يجيش في صدره من فرح.. وقال:
- المنذر... نعم هو المنذر ولدي. مرحباً بك يا منذر، كم أحلم أن أخرجك من دائرة الحزن والموت هذه يا بني.. نعم لابد أن يكون عالمك أكثر بهجة وفرحاً.. ولنكسر بقدومك حلقة الموت الوحشية.. وليكن من أجلك عالم تسوده المحبة.. والسلام!!..
قال الراوي:
كان الإسلام قد بدأ ينتشر في ربوع الجزيرة ودخل الناس أفواجاً في الدين الجديد الذي يوحد القبائل ويأخى بين أعداء الأمس.. ويحرر العبيد ويعلن ألا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.. وكانت الدعوة الجديدة كفيلة أن تأسوا جراحات تغلب وبكر، وأن تشفي أوراحها من مرارات الانتقام والثأر.. لأن الله غفور رحيم.. والكل سيقف يوماً بين يدى الرحمن.. ليحاسب على ما فعله في دنياه من خير ومن شر وآثام..
وقرر هلال ليلة ميلاد المنذر أن يذهب إلى مكة ليقابل رسول الله وليحصل على بركته وينضم إلى صفوفه ويعاهده على نصرة الإسلام..
وما ان استقر رأيه على هذا حتى جمع ربعمائة فارس من رجاله، وانطلق إلى مكة، وكله أمل أن يحظى بلقاء رسول الله، وأن يحصل على بركته ورضاه..
وبالفعل طاف برجاله حول البيت، ثم قابل الرسول الذي فرح بانضمام هؤلاء المقاتلين الشجعان ذوي البأس الشديد إلى صفوف المسلمين، والإسلام يخوض معارك شتى لترسيخ أسس العالم الجديد.
وأمر الرسول هلالا أن ينزل هو وقبيلته في وادي العباس لينعم بالاستقرار وليكون بالقرب من مركز الأحداث، وتعهد هلال للرسول أن يبذل المال والرجال في سبيل نصرة الدين الجديد الذي يوحد العرب ويبشر بالسلام والخير والمساواة والعدل لكل الناس وارتاحت نفس هلال لأن ابنه المنذر كان بشير خير على أحفاد المهلهل أبي ليلى.. وسلالة كليب وجساس وعلامة فاصلة توقف إلى الأبد ما كن بينهما من غل وقتال.
فمضى يؤمن الوادي لأهل.. ومن حين لخر كان يخرج مع رجاله المقاتلين لنصرة النبيe في معارك شتى ضد فلول الكافرين.. ولمواجهة العشائر المعادية للإسلام وللسلام.. صلوا على طه خير الأنام..
كان الحادي ذت الصوت العذب يستحث جمال موكب السيدة "فاطمة الزهراء" ابنة رسول اللهe في طريق العودة من زيارة بعض أقاربهم بالقرب من المدينة.. وكان المساء رقيق النسمات والشمس تميل نحو الغرب فتصنع أشعتها الذهبية مع بضع سحابات متناثرة منظراً رائعاً يوحي بالسكينة والهدوء.. ومضت السيدة فاطمة تتأمل قدرة الخالق..
وهي تهمس: قادر على كل شيء.. سبحانه الخلاق العظيم.
وفجأة.. انقلب كل شيء وتحول.. واندفع إلى السهل المنبسط.. المئات من المقاتلين تطارد بعضهم بعضاً.
هاجت الإبل التي كانت هادئة.
وصرخ الحادي والمرافقون محاولين الابتعاد عن الساحة التي تحولت إلى ميدان حرب حاصرتهم فيها خيول تصهل.. ورجال فوقها يصرخون ويتقاتلون.
وأطلت السيدة فاطمة.. فراعها تشتت رهطها.. واندفاع الناقة التي تحمل هودجها فزعة نحو الجبل في هياج.. فارة من المعركة لتخوض في أحراش شائكة وصخور حادة.. وهي ترغي رعباً.
صرخت السيدة فاطمة تستنجد بحراسها.. ولكنهم كانوا قد تشتتوا وتفرقوا، فدعت الله أن يحميها ووجدت نفسها تدعو على من تسببوا في تشتت قافلتها بالشتات في الأرض، وعلى من مزقوا هدوء المساء وسلامه بمرارة التفرق والتمزق تحت صلصلة السيوف والرماح !!.
وبعد فترة هدأت الناقة حين هدأ القتال واستبعدت عن ساحة المعركة.. ثم وصل الحادي الهارب والحارس إليها، بعد أن استطاعوا جمع شتات القافلة الصغيرة.. ليعودوا بها إلى المدينة عن طريق أخر.
وحين وصلت حكت لأبيهاe ما جرى فلامها رسول الله وعاتبها، وأخبرها أن بني هلال لا يستحقون لعنتها بل إنهم يحتاجون لدعائها فقد كانوا يقاتلون بعض أعداء الإسلام الذين كانوا يتربصون بها وهي في طريقها إلى المدينة.
قال الراوي:
عندما أخبرت السيدة فاطمة والدها e بما جرى لها.. إفتر ثغره عن ابتسامة عريضة وربت عليها في حنان وهو يحمد الله على سلامتها.. ونجاتها من ذلك الكرب الشديد وعودتها..
لكنه أخبرها أن هؤلاء الذين لعنتهم كانوا بني هلال الشجعان يتصدون لجماعة من يهود خيبر.. تعودوا أن يقطعوا الطريق على قوافل المسلمين المتجهة إلى المدينة أو الخارجة منها..
وكانوا يتربصون بقافلتها ولكن العيون والأرصاد التي بثها هلال بن عامر أخبرته بما ينوي فعله اليهود الخيبريون.
فأرسل فرسانه ليفاجئوهم ويؤدبوهم على ما كانوا ينتوون.. ندمت فاطمة لكن النبي تبسم وقال إن الأمر استغرق وقتاً أطول مما قدروا، ولذلك لم ينتهوا من المعركة قبل وصولك آخر النهار.. حتى لا يسيئوا إليك ويضطر هجينك للفرار.
وهنا قالت فاطمة وهي آسفة:
- وهكذا يقدر الناس وتضحك الأقدار..
وحزنت لأنها دعت عليهم بالهزيمة والشتات وهم الذين كانوا يؤمنون طريق عودتها، هنا مسح الرسول دمعتها، وقال: ادعى لهم بالنصر لعل الله يستجيب لك فيخفف من أثر لعنتك الأولى عليهم.
ساعتها بكت فاطمة بكاءً شديداً لأنها لم تكن تقصد أن ترد جميل بني هلال النبيل بلعنتهم، وأخذت تصلي وتدعو الله أن يعفيهم ويكفيهم شر الهزائم وينصرهم على أعدائهم.
وعاد الرسول يبتسم وهو يطمئن ابنته الغالية مبشراً أن الله لابد سيستجيب لها ولدعوتها الطيبة.. ليخفف عن بني هلال وعشائرهم ما كتب عليهم في لوح أقدارهم ومصائرهم، وعليهم أن يجاهدوا ما بأنفسهم من ضعف وشرور. وإن ينتصروا للخير فيحظوا بالراحة والسرور. والشر بين والخير بين وكل مسطور في غيب علم الله وهم خلقوا للمجاهدة والمجالدة والمعاناة.
والله يسبب الأسباب لتكون في حياة هلال وسلالته عبرة لمن يريد أن يعتبرن من ذوي الألباب.
وما أمر به الله سيكون، بحق الكاف والنون.. والقلم وما يسطرون..
الحمد لله...
الذي جعل سيرة الآباء وتاريخ الأجداد... عبرة تنير طريق الأولاد، وخبرة يتوارثها الأحفاد، ولما كانت سيرة "بني هلال" من أجمل ما رواه الرواة، ومن أحلى ما تغنى به الشعراء في الأفراح وليالي السهر وأمسيات السمر، وتناقلتها الأجيال عبر السينين، وحفظتها ذاكرة المصريين وغير المصريين، لذا وجدنا أنه واجب لا غنى عنه أن نعيد رواية أجمل ما جاء فيها من حكايات إنسانية وصور ونماذج بشرية في أكثر مناطقها وأحداثها درامية.. في صياغة جديدة تناسب مزاج الأجيال الجديدة وبطريقة ممتعة ومفيدة، محاولين الاحتفاظ لها بطبيعتها القديمة الفريدة.
لكي لا نتوه في تفاصيلها العديدة المتعددة المديدة.. باختيار المناسب من بين تلك التفاصيل، ماله معنى إنساني خالد ودائم، وما يحمل من سمات الصراع الدرامي بين الخير والشر وبين الموهبة والغربة.. بشرط ألا يغفل هذا العدوان وأحلام العيش في سلام، وما بين حب الوطن وآلام الغربة.. بشرط ألا يغفل هذا طرافتها وسحرها وغرابتها... ولا نهمل ما بها من متعة وإثارة... وغير ذلك من السمات والصفات التي جعلت منها سيرة متفردة بين غيرها ومن السير الشعبية التي حفظتها لنا ذاكرة الشعب وبحيث يقرأها الصغار والكبار، فلا يملون ما احتوت عليه في شكلها القديم، من تفصيل وتكرار، ولا يفقدون مع الصياغة الجديدة ما كان لها من سحر ولا ما احتوته من أسرار ولا ما ذخرت به من قيم وأفكار.. وما حوته من إثارة وتشويق، وبطولات وشخصيات حية مؤثرة.. لننعش بها ذاكرة الأجيال الجديدة، ونضع في عقولها بصيصاً ولو خافتاً من الاستنارة... والإيمان بإنسان هذا الوطن على مر الأزمان.
سائلين الله أن يمدنا بالصبر على تحمل الجهد الذي تحتاجه المهمة، وبالقدرة على حمل الأمانة وما تتطلبه من صدق وهمة.
بشارة النصر ولعنة الشتات
اندفع هلال بن عامر خارجاً من الخيمة بحثاً عن نسمة هواء منعشة ترطب صدره في هذا الليل الحالك السواد، وتزيح عن نفسه الانقباض الشديد الذي يعصر قلبه المحاصر بالترانيم الحزينة تهمهم بها النساء في الخيمات المحيطة المجاورة.
ما بال هؤلاء النسوة ينحن هكذا في استقبال المولود الجديد ؟ كأننا نزف أطفالنا للموت قبل أن يتنفسوا أول أنسام الحياة.. ما هذا الفأل السيئ؟
كان الجميع ساهرين فرحين ينتظرون مولود ابنه الأول، لكن النغمة الحزينة التي طاردته إلى الصحراء.. كانت نفسها التي تودع بها النسوة قتلى القبيلة وموتاها... فأخذ يبتعد موغلاً في ليل الصحراء في محاولة عقيمة للخروج من أسر هذا الشجن الرهيب، الذي جعل الليل عديم القمر أكثر عباً وظلمة.
ميراث ثقيل..
ورثه الأبناء عن الأجداد من التغلبين والبكريين.. الذين ظلوا يتقاتلون أربعين عاماً أو تزيد فيما بينهم طلباً لثأر مستحيل.. اشتعلت من أجله حرب البسوس ليروح ضحيتها الآلاف من أبناء وبنات القبيلتين خلال سلسلة طويلة عنيفة من عمليات القتل والقتل المضاد... بعد مقتل ملك التغلبيين كليب غيلة على يد جساس فارس البكريين بتدبير عجوز النحس الماكرة انتقاماً لمقتل أخيها التبع اليماني، فأوقدت ناراً لا تنطفئ يزيد اشتعالها الدماء التي تسيل كل يوم على الرمال بحاراً تفيض قبل أن تغيض.
فما العجيب إذن أن يصبح استقبال المواليد الجدد طقساً حزيناً، فالجميع من نسل القبيلتين على حد سواء رهينة للموت قتلاً.. طال بهم العمر أو قصر.
أربعون عاماً كان هذا هو المصير والقدر..
قدر محتوم لا هروب منه ولا مفر حتى شلت الأيدى وكل البصر، فما العجيب أ، يصبح الحزن غذاء يومياً للروح حتى في ساعات الفرح..
همس هلال بن عامر بهذا لنفسه وهو يتأمل بؤر النيران المتفرقة وسط مضارب القبيلتين.. تحاول أن تخفف عبثاً من ظلمة وبرد تلك الليلة العديمة القمر.
لكن السؤال لم يجد إجابة إلا في تلك الآهات الحرى التي انطلقت من بين شفتيه تغالب دعواته الهامسة أن يكون المولود القادم ذكراً..
قال الراوي:
لما غزا التبع اليماني بلاد تغلب وديار بكر اختطف جليلة أخت جساس البكري وزوجة كليب التغلبي.. شقيق الزير سالم أبي ليلى المهلهل.. ليتزوجها غصباً فاتفق الثلاثة على تحريرها وقتله انتقاما لشرفهم المهان.
وحددوا الوقت والزمان.. ودبروا التسلل إلى خيمته – بمساعدة جليلة- ذات ليلة حانكة السواد، متخطين كل ما أحاط به نفسه من رجال وعتاد.
فلما أحس بهم.. وبالموت الذي يترصده على حد سيوفهم.. تنبأ لهم في إصرار من يكشف ويعرف الأسرار.. أن من سيقتله منهم قبل غيره... سيكون السيد على الجميع ويكون الكل عبيداً رهن أمره.. قائلاً في صوت ضحية محاصرة.
- ضربة السيف التي ستشق قلبي... ستحدد مصير الملك من بعدي.. من يقتلني يملك عرشي!
هكذا قدر وهكذا سيكون... العرش والتاج حق للقاتل وحده..
وانتبه الزير سالم لمكيدة التبع التي يريد بها أن يبث بينهم الفرقة ويجعلهم يتقاتلون ويقتل بعضهم بعضاً.. فاتفق على قتله في الظلام بضربة واحدة... ليقتلوا معده بذرة الخلاف التي ألقى بها في حقلهم.
وكأنما الأقدار كانت تسخر منهم.
إذ اعترف كليب بعد أن أجلسوه على العرش.. أنه لم يضرب التبع بسيفه.. إذا تملكه حين أ"فأ الزير النور في الخيمة.. رعب شديد بسبب الظلام.. فشل يديه، لكنهم لم يعيروا اهتماماً لهذا الاعتراف الفاضح الفاجع..
واعتبروه من باب الزهد في العرش أو من ضرورات التواضع، إذ كان انتصارهم على التبع وتخلصهم من سطوته.. كافياً لصرف الأنظار والنفوس عن التأمل والتحقق من مقولته.
لقد وحد مقتل التبع بين بكر وتغلب... وهذا يكفي..
كما تمكن سالم بحكمته، أن يقنع جساس بالموافقة على أ، يصبح كليب – زوج شقيقته- الملك الذي سيوحد الجميع تحت مظلتها ومظلته.
ولكنه قلب جساس لم يعد صافياً تماماً، إذ تملكه إحساس قوي أنه قد غرر به، فلم يعد ينام إلا لماماً...
ولما كان التغلبيون هم أهل الحرب والقتال وهم الأقوى في العتاد وفي الرجال، ولأن البكريين في العادة كانوا أهل الرعي ورعاية النخيل وتطهير الآبار والاشتغال بشئون الكلأ والأرض.. ظل في قلب جساس شيء ما ... دفيناً.. يدفعه إلى عدم الرضا والخضوع ويغريه بالرفض.
وقانا الله وإياكم شر الخضوع للغرض الذي هو في الحقيقة وقوع في أسر المرض
أشعلت العجوز الحقود وقلبها محروق.. ملآن بشوق الانتقام لأخيها.. قالت لجساس: أجرني.. صرت بلا جيرة.. وأنت سيد قبيلتك ولك حرية الخيرة، أم أنهم من سلطتك جردوك.. يوم سرق الكليب حقك في الملك وحرموك..
وأشعلت العجوز في قلب جساس ناراً كان يحاول إطفاؤها.. فصار يلعنها ولا يهتم بإخفائها.
وصبرت العجوز حتى سنحت لها الفرصة التي تنتظرها.. فأطلقت ناقتها البسوس في كروم وبساتين كليب تأكل من أشجارها.. فتصايح الحراس عليها ولحقوا بها وعقروها.. ولما تصدت لهم العجوز ضربوها.. فمضت تولول وتستجير بالناس وتعلق إهانتها في رقبة جساس.
واعتبر جساس ما حدث إهانة ما بعدها أهانة..
فمضى غاضباً إلى كليب طالباً ما سلب منه من مكانه.. تلك التي لم تعد تساوي عنقود عنب وكرم دمرت أغصانه.
وكلما حاول كليب تهدئة جساس... زاد غضبه وطالب بدم الحراس.. فالناقة وصاحبتها في جيرته.. وتحت حمايته..
ولما سخر كليب من هذا الطلب غير المعقول..
طعنه جاسس طعنته المهول.. التي أشعلت الغضب في القلوب والعقول..
وظلت نارها مشتعلة لأربعين عاماً وقودها الأرواح والنفوس.. فيما عرف عند العرب بحرب "البسوس".
وأعلنها الزير سالم: "لا أصالح.. إلا أن يعود كليب حياً.. يطلب العدل المستحيل.. فأرسل الآلاف من أبناء تغلب وبكر إلى الموت جيلاً بعد جيل.."
وغطت الصحراء نيران الغل والغضب..
ولم يستطع أحد إطفاء اللهب فصارت أغاني الفرح تعزف على ألحان الحزن.. فالأطفال يولدون وقد عرفت مصائرهم.
وتعلموا وتفننوا في فنون القتال... وظل القتل والقتل المضاد بين بكر وتغلب.. يطارد القبيلتين كالقدر المهيمن والمعذب، ومادام الموت قد أصبح شغل الجميع الشاغل.. تركوا أمور الحياة في يد العبيد والإماء.. فجفت المراعي وردمت الرمال عيون الماء.
وسبحان من له ملك الأرض ... والسماء
ابتعد هلال بن عامر كثيراً في جوف الصحراء وعمق الليل، ولكن لحن الحزن ظل يلاحقه ويحاصره..
صاعداً مع زفرات قلبه لرأسه ملاحقاً مشاعره.
فهو نفسه قد ولد يوم موت جده هجرس بن كليب المقتول غيله.. وكأنه يؤكد للقبيلة ثنائية الموت والحياة.. الميلاد والقتل ودورها في رسم مصير القبيلة.. ما الغريب إذن أن يلون الحزن ألحان الفرح.. ألم تكن تلك الأنغام الحزينة هي التي تفتحت عليها أذنيه.. حزنا على موت جده في نفس اللحظة.. ليمتلأ قلبه الغض منذ مولده ويفيض بكل هذا الألم والشجن الذي تثيره هذه الصحراء الملعونة.. المسكونة بأرواح القتلى من الجانبين.. عبر سنين تطارد بإصرار وعناد كل الأحياء بأنين أشباح الميتين من ضحايا.. وقاتلين.
وفجأة.. صمتت موجات لحن الحزن، وارتفعت صيحات البشرى بقدوم المولود، والتقطت أذناه على البعد بشارة مجيء الولد الموعود.. فافتر فمه عن ابتسامة ونزلت من عينه دمعة تعبر عما يجيش في صدره من فرح.. وقال:
- المنذر... نعم هو المنذر ولدي. مرحباً بك يا منذر، كم أحلم أن أخرجك من دائرة الحزن والموت هذه يا بني.. نعم لابد أن يكون عالمك أكثر بهجة وفرحاً.. ولنكسر بقدومك حلقة الموت الوحشية.. وليكن من أجلك عالم تسوده المحبة.. والسلام!!..
قال الراوي:
كان الإسلام قد بدأ ينتشر في ربوع الجزيرة ودخل الناس أفواجاً في الدين الجديد الذي يوحد القبائل ويأخى بين أعداء الأمس.. ويحرر العبيد ويعلن ألا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.. وكانت الدعوة الجديدة كفيلة أن تأسوا جراحات تغلب وبكر، وأن تشفي أوراحها من مرارات الانتقام والثأر.. لأن الله غفور رحيم.. والكل سيقف يوماً بين يدى الرحمن.. ليحاسب على ما فعله في دنياه من خير ومن شر وآثام..
وقرر هلال ليلة ميلاد المنذر أن يذهب إلى مكة ليقابل رسول الله وليحصل على بركته وينضم إلى صفوفه ويعاهده على نصرة الإسلام..
وما ان استقر رأيه على هذا حتى جمع ربعمائة فارس من رجاله، وانطلق إلى مكة، وكله أمل أن يحظى بلقاء رسول الله، وأن يحصل على بركته ورضاه..
وبالفعل طاف برجاله حول البيت، ثم قابل الرسول الذي فرح بانضمام هؤلاء المقاتلين الشجعان ذوي البأس الشديد إلى صفوف المسلمين، والإسلام يخوض معارك شتى لترسيخ أسس العالم الجديد.
وأمر الرسول هلالا أن ينزل هو وقبيلته في وادي العباس لينعم بالاستقرار وليكون بالقرب من مركز الأحداث، وتعهد هلال للرسول أن يبذل المال والرجال في سبيل نصرة الدين الجديد الذي يوحد العرب ويبشر بالسلام والخير والمساواة والعدل لكل الناس وارتاحت نفس هلال لأن ابنه المنذر كان بشير خير على أحفاد المهلهل أبي ليلى.. وسلالة كليب وجساس وعلامة فاصلة توقف إلى الأبد ما كن بينهما من غل وقتال.
فمضى يؤمن الوادي لأهل.. ومن حين لخر كان يخرج مع رجاله المقاتلين لنصرة النبيe في معارك شتى ضد فلول الكافرين.. ولمواجهة العشائر المعادية للإسلام وللسلام.. صلوا على طه خير الأنام..
كان الحادي ذت الصوت العذب يستحث جمال موكب السيدة "فاطمة الزهراء" ابنة رسول اللهe في طريق العودة من زيارة بعض أقاربهم بالقرب من المدينة.. وكان المساء رقيق النسمات والشمس تميل نحو الغرب فتصنع أشعتها الذهبية مع بضع سحابات متناثرة منظراً رائعاً يوحي بالسكينة والهدوء.. ومضت السيدة فاطمة تتأمل قدرة الخالق..
وهي تهمس: قادر على كل شيء.. سبحانه الخلاق العظيم.
وفجأة.. انقلب كل شيء وتحول.. واندفع إلى السهل المنبسط.. المئات من المقاتلين تطارد بعضهم بعضاً.
هاجت الإبل التي كانت هادئة.
وصرخ الحادي والمرافقون محاولين الابتعاد عن الساحة التي تحولت إلى ميدان حرب حاصرتهم فيها خيول تصهل.. ورجال فوقها يصرخون ويتقاتلون.
وأطلت السيدة فاطمة.. فراعها تشتت رهطها.. واندفاع الناقة التي تحمل هودجها فزعة نحو الجبل في هياج.. فارة من المعركة لتخوض في أحراش شائكة وصخور حادة.. وهي ترغي رعباً.
صرخت السيدة فاطمة تستنجد بحراسها.. ولكنهم كانوا قد تشتتوا وتفرقوا، فدعت الله أن يحميها ووجدت نفسها تدعو على من تسببوا في تشتت قافلتها بالشتات في الأرض، وعلى من مزقوا هدوء المساء وسلامه بمرارة التفرق والتمزق تحت صلصلة السيوف والرماح !!.
وبعد فترة هدأت الناقة حين هدأ القتال واستبعدت عن ساحة المعركة.. ثم وصل الحادي الهارب والحارس إليها، بعد أن استطاعوا جمع شتات القافلة الصغيرة.. ليعودوا بها إلى المدينة عن طريق أخر.
وحين وصلت حكت لأبيهاe ما جرى فلامها رسول الله وعاتبها، وأخبرها أن بني هلال لا يستحقون لعنتها بل إنهم يحتاجون لدعائها فقد كانوا يقاتلون بعض أعداء الإسلام الذين كانوا يتربصون بها وهي في طريقها إلى المدينة.
قال الراوي:
عندما أخبرت السيدة فاطمة والدها e بما جرى لها.. إفتر ثغره عن ابتسامة عريضة وربت عليها في حنان وهو يحمد الله على سلامتها.. ونجاتها من ذلك الكرب الشديد وعودتها..
لكنه أخبرها أن هؤلاء الذين لعنتهم كانوا بني هلال الشجعان يتصدون لجماعة من يهود خيبر.. تعودوا أن يقطعوا الطريق على قوافل المسلمين المتجهة إلى المدينة أو الخارجة منها..
وكانوا يتربصون بقافلتها ولكن العيون والأرصاد التي بثها هلال بن عامر أخبرته بما ينوي فعله اليهود الخيبريون.
فأرسل فرسانه ليفاجئوهم ويؤدبوهم على ما كانوا ينتوون.. ندمت فاطمة لكن النبي تبسم وقال إن الأمر استغرق وقتاً أطول مما قدروا، ولذلك لم ينتهوا من المعركة قبل وصولك آخر النهار.. حتى لا يسيئوا إليك ويضطر هجينك للفرار.
وهنا قالت فاطمة وهي آسفة:
- وهكذا يقدر الناس وتضحك الأقدار..
وحزنت لأنها دعت عليهم بالهزيمة والشتات وهم الذين كانوا يؤمنون طريق عودتها، هنا مسح الرسول دمعتها، وقال: ادعى لهم بالنصر لعل الله يستجيب لك فيخفف من أثر لعنتك الأولى عليهم.
ساعتها بكت فاطمة بكاءً شديداً لأنها لم تكن تقصد أن ترد جميل بني هلال النبيل بلعنتهم، وأخذت تصلي وتدعو الله أن يعفيهم ويكفيهم شر الهزائم وينصرهم على أعدائهم.
وعاد الرسول يبتسم وهو يطمئن ابنته الغالية مبشراً أن الله لابد سيستجيب لها ولدعوتها الطيبة.. ليخفف عن بني هلال وعشائرهم ما كتب عليهم في لوح أقدارهم ومصائرهم، وعليهم أن يجاهدوا ما بأنفسهم من ضعف وشرور. وإن ينتصروا للخير فيحظوا بالراحة والسرور. والشر بين والخير بين وكل مسطور في غيب علم الله وهم خلقوا للمجاهدة والمجالدة والمعاناة.
والله يسبب الأسباب لتكون في حياة هلال وسلالته عبرة لمن يريد أن يعتبرن من ذوي الألباب.
وما أمر به الله سيكون، بحق الكاف والنون.. والقلم وما يسطرون..
بداية سكة الغربة
بداية سكة الغربة
مضت الأيام بهلال بن عامر وعشيرته فى رحاب الدعوة الجديدة رخية هنية.. فما كانوا يخرجون لقتال إلا لنصرة الرسول والدعوة للدين الجديد الذى آخى بين العرب.. ووحد قبائلهم.. ووضع شريعة جديدة تقوم على التسامح والمساواة.. فكل الناس عبيد لله وحده.
ولا ملك إلا لرب العالمين وما الأرض والإبل إلا وديعة أعطاها الله. رهينة بحسن إرادتها ليعم خيرها على الجميع.. واستقر الأمر لهلال وعشيرته فى وادى العباس الذى سمح الرسول عليها السلام لهم بالاستقرار فيه..
وسمع كثير من العربان بكرمه يتمنى البشر أو كما يرغبون إذ للقدر تصاريف تقلب المصائر وتكشف السرائر..
فلله فى خلقه شئون. كما يقولون..
لقد توفى رسول الله … وعادت الجاهلية الاولى تطل برأسها..
واختلف الأنصار والمهاجرون واشتد الخلاف .. وكاد الأمر أن يفلت ليعود المشركون.. لولا حكمة صحاب رسول الله وتحكيمهم للعقل، فقضوا على الفتنة فى مهدها.. وجيش أبو بكر الجيوش لردع المرتدين وبينهم مسليمة الكذاب فى شرق الجزيرة.. وكان قد ادعى النبوة والتف حوله الكثيرون من الذين قضى الإسلام على تحكمهم .. وساوى بينهم وبين ما كانوا عبيدا دعى لتحريرهم من العبودية.. وصار عمل الإنسان هو نسبة.. ولا فرق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى .. كذلك خرج على الإسلام الذين ارتبطت مصالحهم بالدين القديم..
وأبلى هلال بن عامر وعشيرته بلاء حسنا فى نصرة الإسلام .. وظل يقاتل حتى أخمدت الفتنة.
ولكن الحرب مريرة وتترك فى القلوب جراحا لا تندمل.
لقد أطلت الثعابين القديمة برؤوسها ونفثت سمها فى قلوب مازالت خضراء لم تتخلص بعد من بذور الفتن القديمة .. ولا نزعت ثوب القبيلة البالى كله بعد. وعاد للمنتصرين إحساسا بالتميز، عادت تصرخ فى العروق التى لم تتطهر جيدا من رجس الشرك جراثيم القبيلة والجاهلية الأولى. ولله الأمر من قبل ومن بعد..
قال الراوى..
كان المنذر بين هلال بن عامر وولده الوحيد فارسا شجاعا حلو الشمائل ذاع صيته فى البادية والحضر.. وفاق أقرانه فى استخدام السلاح .. وفنون القتال كرا وفرا..
وكانت له جماعة من أصحابه يشاركونه مغامراته ونزواته ويزينون له حماقاته .. ولأنه الابن الوحيد لأبيه.. فقد كان له كل ما يبغيه .. ولذا صار بين الأولاد شديد العناد..
وذات يوم كان عائدا من رحلة صيد وقنص وطراد .. تمتع فيها وأصحابه بمطاردة الفرائس ين الجبال والوهاد.. إذا رأى فتاة ذات حسن وجمال.. تسير وسط رهط من صاحباتها ذوات الدلائل.
فأحس أن سهام عيونها قد رشقت فى ود وحنان قلبه..
فسأل صحبه .. فقالوا له أنه ابنة "قاهر الرجال" وأنها كبنات عشيرتها تميس بالحسن والدلال.
وإن كانت أجملهن على الإطلاق .. فعاد مهموما تعصر قبله الاشواق .. حتى دخل قصره وقد فقد حذره.. وطلب من والده أن يزوجها له على الفور..
لكن والده عندما عرف من هى استشاط غضبا .. ونفر فى وجهه عرق الجهالة القديم وقال غاضبا..
- أتريد وأنت ولدى الوحيد ، أن تتزوج إمرأة من سلالة العبيد.
ونسى هلال غمرة فى الجواب والسؤال .. ما يعنيه هذا الكلام.. ونسى أيضا ما علمه إياه فى الإسلام .. ولم يذكر سوى أنها من سلالة جساس بن مرةا لكلبى قاتل كليب التغلبى.
دهش الفتى الذى تربى على العقيدة الجديدة، من حديث والده عن الثارات التليدة..
ها هى المأساة القديمة تطل برأسها كالأفعى .. وعاد التناهى بالنسب والحسب بخنجر الجاهلية يطعن مبادئ المساواة فى مقتل .. وكأنه كان شبحا غارقا فى النوم إلى حين مؤجل..
صرخ متكدرا من قول أبيه:
- لا .. لا تقلها..
وانزع من النفس الأبه ياأبى وهم القبيلة..
ليس لى فى الحب حيلة..
أشتد غضب هلال بن عامر وأسودت الدنيا فى عينيه، فإبنه الوحيد لا يستمع إليه.. ويريد أن يتزوج فتاة من الأوباش .. ونسى أن الإسلام قد ساوى بين البيض والأحباش .. لكنها الجاهلية القديمة .. أفقدته الرؤية السليمة. وأسلمته للمشاعر القيمة .. فسب ابنه وصب عليه اللعنات.. وطرده شر طردة إلى الفلوات.. وكأنما لا تربطه به أعز وأنبل الصلات. وكاد فى غضبته أن ينسى إسلامه ويستعين بالعزى واللات .. كفاكم الله شر الغضب الجهول .. عندما يعمى القلوب ويلغى العقول..
غضب المنذر وخرج من وادى العباسى .. وهو لا يصدق ما سمعته أذناه.. ورأته عيناه .. فها هو أباه يأبى أو يزوجه حبيبته، لأنها من سلالة كلبية وهو من أرومة تغلبية.. ها هى الجاهلية تعود لتفرق بينه وبين أحبائه .. وهو لن يخضع لها.. وسيخرج عليهم جميعا لينتقم من المنافقين الذين يبطنون خلاف ما يهرون ويقولون ما لا يفعلون..
إجتمعت حول المنذر جماعة من اصدقاء صباه وشبابه، أولئك الذين شاركوه نعمة بنوته لهلال بن عامر وصاحبوه فى أيام أعز أبيه.. لكنهم كانوا يحبونه هو.ويجبون به لفروسيته، ويحفظون له أنه كان لهم صديقا ورفيقا اكثر منه قائدا. فتبعوه .. وغضبوا لغضبه.. وأصبحوا جماعته وعصابته..
قطعوا معه طريق القوافل .. وأغاروا على القبائل.. حتى ارتفع صراخ الإحتجاج عليه هنا وهناك.. خاصة بعد أن اشتهر والتحق به كل من له ثأر عند قبيلة.. أو من له مطلب حرمه منه شيخ كهلال .. أو من يرغب فىأن يجد قوت المرأة والعيال.. وسدت فى وجهه دروب الرزق الحلال.
ولم يجد المعتدى عليهم من رجال القبائل وأصحاب القوافل إلا أن يتفقوا على الذهاب لهلال بن عامر يستنجدون به ليوقف ابنه عند حده.. ويحميهم من عدوانه.
استقبل هلال واستمهلهم حتى يعرض الأمر على رجاله.. ووعدهم أن يرد عليهم حتى ولو عوضهم عن خسائرهم من أمواله..
أخذ هلال بن عامر يفكر وهو جالس وحده فى شرفه قصره، فيما وصلت إليه الأمور.. وأخيرا أملى رسالة على كاتبه إلى ابنه، قال له فيها:
"يا بنى لقد زدت على الأوجاع.. فلماذا تزيد من سود الأوضاع.. كانت سيرتنا بالخير على كل لسان.. فرسان شجعان ينصرون المظلوم ويقيمون العدل أينما يحلون.. لم يكن النهب والسلب من شيمنا نحن الذين نصرنا الرسول..
فارجع عما تفعل واعقل .. واعمل حساب يوم للحساب مهول لا يؤجل"
وبعد أن طوى الكتاب اعطاه لنجاب اسمه بلال وطلب منه أن يهود بالجواب فى الحال.. ولكن عبده بلال لما وصل إلى حيث المنذر، وجده مع جماعته يشربون ويصخبون فتقدم إليه وعرض الرسالة عليه، ولكن المنذر لم يمهله لحظة حتى ليقرأها، بل اختطف الرسالة ومزقها. وكان أن يقتله، لولا أن منعه عنه أصحابه.. على الأقل لكى يحمل إلى هلال ما يحويه جوابه..
وحينما عاد العبد إلى هلال بجواب ابنه.. ازداد غضبه، لأنه كان يتمنى أن يعود إليه ولده.. فلما وجده مازال على حاله.. حز فى قلبه مقاله..
وطلب شورى عشيرته .. فنصحوه ألا يخرج لقتال فلذة كبده .. وأن يترك المعتدى عليهم من رجال القبائل والقوافل يستعيدون ما أخذ منهم بالقوة .. فهم كثرة وأنبه وجماعته قلة.
وبالفعل اعتذر بعدم قدرته على مقاتلة فلذة كبده .. وكتم فى نفسه وهو كظيم .. لأنه ترك أعداء ابنه يفعلون به ما يستطيعون.
قال الراوى ….
اجتمع على قتال المنذر خمسة آلاف من رجال القبائل وعبيد أصحاب القوافل:
وحاصلوا المنذر فى الوادى الذى فيه يقيم. وفاجأوه بالغارة من كل ناحية كالصاعقة ودحرجوا على معسكره كتلا من النار الحارقة.. فكانت المفاجأة كاملة شاملة.. لم يستطيع المنذر ورجاله إلا أن يولوا الأدبار.. خوفا من الدمار.
بينما حرر المنتصرون الماسورين من أهلهم .. وجمعوا ما سرق من أموالهم. وعادوا سالمين غانمين وتشتت رجال المنذر وفروا هاربين ..مختلفين ورائهم الكثيرين ما بين أسرى وجرحى ومقتولين.
وأصر كبيرهم أن يرسل إلى هلال بعض القتلى والأسرى .. ليكونوا أمام بقية الخلق عبره….
وحكى بعضهم لهلال ما جرى وما آل إليه حال ابنه الوحيد .. فبكى هلال وأقر بذنبه وأرسل وزيره ليعود بإبنه الشريد..
ولكن الوزير وصل متأخرا .. إذ كان المنذر قد شد الرحال إلى الشام والعراق مهاجرا..
فأرسل وراءه من يتقصى أخباره .. ويعرف إلى أين كان مساره .. فعاد إلى هلال بما حصل عليه من أخبار.. فظل يبكى ابنه الوحيد الغريب ليل ونهار..
ندم هلال ندما شديدا .. لأنه كان إلى هذه الدرجة عنيدا.. خاصة وقد اعترف أنه جانبه الصواب وجر على نفسه وابنه الخراب، فحين خضع واستمع إلى نداء الجاهلية الأولى..
ورفض أن يزوجه من الفتاة الكلبية بحجة أنها من سلالة الأوباش.
وأخذ يصلى ويدعو الله أن يتوب عليه … وأن يجنب أولاده المصير الذى ساق إليه أبنه الوحيد، الذى هو بالتأكيد مثله عنيد..
فكتب بيده على نفسه وعلى أهله الغربة والتشريد.
مضت الأيام بهلال بن عامر وعشيرته فى رحاب الدعوة الجديدة رخية هنية.. فما كانوا يخرجون لقتال إلا لنصرة الرسول والدعوة للدين الجديد الذى آخى بين العرب.. ووحد قبائلهم.. ووضع شريعة جديدة تقوم على التسامح والمساواة.. فكل الناس عبيد لله وحده.
ولا ملك إلا لرب العالمين وما الأرض والإبل إلا وديعة أعطاها الله. رهينة بحسن إرادتها ليعم خيرها على الجميع.. واستقر الأمر لهلال وعشيرته فى وادى العباس الذى سمح الرسول عليها السلام لهم بالاستقرار فيه..
وسمع كثير من العربان بكرمه يتمنى البشر أو كما يرغبون إذ للقدر تصاريف تقلب المصائر وتكشف السرائر..
فلله فى خلقه شئون. كما يقولون..
لقد توفى رسول الله … وعادت الجاهلية الاولى تطل برأسها..
واختلف الأنصار والمهاجرون واشتد الخلاف .. وكاد الأمر أن يفلت ليعود المشركون.. لولا حكمة صحاب رسول الله وتحكيمهم للعقل، فقضوا على الفتنة فى مهدها.. وجيش أبو بكر الجيوش لردع المرتدين وبينهم مسليمة الكذاب فى شرق الجزيرة.. وكان قد ادعى النبوة والتف حوله الكثيرون من الذين قضى الإسلام على تحكمهم .. وساوى بينهم وبين ما كانوا عبيدا دعى لتحريرهم من العبودية.. وصار عمل الإنسان هو نسبة.. ولا فرق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى .. كذلك خرج على الإسلام الذين ارتبطت مصالحهم بالدين القديم..
وأبلى هلال بن عامر وعشيرته بلاء حسنا فى نصرة الإسلام .. وظل يقاتل حتى أخمدت الفتنة.
ولكن الحرب مريرة وتترك فى القلوب جراحا لا تندمل.
لقد أطلت الثعابين القديمة برؤوسها ونفثت سمها فى قلوب مازالت خضراء لم تتخلص بعد من بذور الفتن القديمة .. ولا نزعت ثوب القبيلة البالى كله بعد. وعاد للمنتصرين إحساسا بالتميز، عادت تصرخ فى العروق التى لم تتطهر جيدا من رجس الشرك جراثيم القبيلة والجاهلية الأولى. ولله الأمر من قبل ومن بعد..
قال الراوى..
كان المنذر بين هلال بن عامر وولده الوحيد فارسا شجاعا حلو الشمائل ذاع صيته فى البادية والحضر.. وفاق أقرانه فى استخدام السلاح .. وفنون القتال كرا وفرا..
وكانت له جماعة من أصحابه يشاركونه مغامراته ونزواته ويزينون له حماقاته .. ولأنه الابن الوحيد لأبيه.. فقد كان له كل ما يبغيه .. ولذا صار بين الأولاد شديد العناد..
وذات يوم كان عائدا من رحلة صيد وقنص وطراد .. تمتع فيها وأصحابه بمطاردة الفرائس ين الجبال والوهاد.. إذا رأى فتاة ذات حسن وجمال.. تسير وسط رهط من صاحباتها ذوات الدلائل.
فأحس أن سهام عيونها قد رشقت فى ود وحنان قلبه..
فسأل صحبه .. فقالوا له أنه ابنة "قاهر الرجال" وأنها كبنات عشيرتها تميس بالحسن والدلال.
وإن كانت أجملهن على الإطلاق .. فعاد مهموما تعصر قبله الاشواق .. حتى دخل قصره وقد فقد حذره.. وطلب من والده أن يزوجها له على الفور..
لكن والده عندما عرف من هى استشاط غضبا .. ونفر فى وجهه عرق الجهالة القديم وقال غاضبا..
- أتريد وأنت ولدى الوحيد ، أن تتزوج إمرأة من سلالة العبيد.
ونسى هلال غمرة فى الجواب والسؤال .. ما يعنيه هذا الكلام.. ونسى أيضا ما علمه إياه فى الإسلام .. ولم يذكر سوى أنها من سلالة جساس بن مرةا لكلبى قاتل كليب التغلبى.
دهش الفتى الذى تربى على العقيدة الجديدة، من حديث والده عن الثارات التليدة..
ها هى المأساة القديمة تطل برأسها كالأفعى .. وعاد التناهى بالنسب والحسب بخنجر الجاهلية يطعن مبادئ المساواة فى مقتل .. وكأنه كان شبحا غارقا فى النوم إلى حين مؤجل..
صرخ متكدرا من قول أبيه:
- لا .. لا تقلها..
وانزع من النفس الأبه ياأبى وهم القبيلة..
ليس لى فى الحب حيلة..
أشتد غضب هلال بن عامر وأسودت الدنيا فى عينيه، فإبنه الوحيد لا يستمع إليه.. ويريد أن يتزوج فتاة من الأوباش .. ونسى أن الإسلام قد ساوى بين البيض والأحباش .. لكنها الجاهلية القديمة .. أفقدته الرؤية السليمة. وأسلمته للمشاعر القيمة .. فسب ابنه وصب عليه اللعنات.. وطرده شر طردة إلى الفلوات.. وكأنما لا تربطه به أعز وأنبل الصلات. وكاد فى غضبته أن ينسى إسلامه ويستعين بالعزى واللات .. كفاكم الله شر الغضب الجهول .. عندما يعمى القلوب ويلغى العقول..
غضب المنذر وخرج من وادى العباسى .. وهو لا يصدق ما سمعته أذناه.. ورأته عيناه .. فها هو أباه يأبى أو يزوجه حبيبته، لأنها من سلالة كلبية وهو من أرومة تغلبية.. ها هى الجاهلية تعود لتفرق بينه وبين أحبائه .. وهو لن يخضع لها.. وسيخرج عليهم جميعا لينتقم من المنافقين الذين يبطنون خلاف ما يهرون ويقولون ما لا يفعلون..
إجتمعت حول المنذر جماعة من اصدقاء صباه وشبابه، أولئك الذين شاركوه نعمة بنوته لهلال بن عامر وصاحبوه فى أيام أعز أبيه.. لكنهم كانوا يحبونه هو.ويجبون به لفروسيته، ويحفظون له أنه كان لهم صديقا ورفيقا اكثر منه قائدا. فتبعوه .. وغضبوا لغضبه.. وأصبحوا جماعته وعصابته..
قطعوا معه طريق القوافل .. وأغاروا على القبائل.. حتى ارتفع صراخ الإحتجاج عليه هنا وهناك.. خاصة بعد أن اشتهر والتحق به كل من له ثأر عند قبيلة.. أو من له مطلب حرمه منه شيخ كهلال .. أو من يرغب فىأن يجد قوت المرأة والعيال.. وسدت فى وجهه دروب الرزق الحلال.
ولم يجد المعتدى عليهم من رجال القبائل وأصحاب القوافل إلا أن يتفقوا على الذهاب لهلال بن عامر يستنجدون به ليوقف ابنه عند حده.. ويحميهم من عدوانه.
استقبل هلال واستمهلهم حتى يعرض الأمر على رجاله.. ووعدهم أن يرد عليهم حتى ولو عوضهم عن خسائرهم من أمواله..
أخذ هلال بن عامر يفكر وهو جالس وحده فى شرفه قصره، فيما وصلت إليه الأمور.. وأخيرا أملى رسالة على كاتبه إلى ابنه، قال له فيها:
"يا بنى لقد زدت على الأوجاع.. فلماذا تزيد من سود الأوضاع.. كانت سيرتنا بالخير على كل لسان.. فرسان شجعان ينصرون المظلوم ويقيمون العدل أينما يحلون.. لم يكن النهب والسلب من شيمنا نحن الذين نصرنا الرسول..
فارجع عما تفعل واعقل .. واعمل حساب يوم للحساب مهول لا يؤجل"
وبعد أن طوى الكتاب اعطاه لنجاب اسمه بلال وطلب منه أن يهود بالجواب فى الحال.. ولكن عبده بلال لما وصل إلى حيث المنذر، وجده مع جماعته يشربون ويصخبون فتقدم إليه وعرض الرسالة عليه، ولكن المنذر لم يمهله لحظة حتى ليقرأها، بل اختطف الرسالة ومزقها. وكان أن يقتله، لولا أن منعه عنه أصحابه.. على الأقل لكى يحمل إلى هلال ما يحويه جوابه..
وحينما عاد العبد إلى هلال بجواب ابنه.. ازداد غضبه، لأنه كان يتمنى أن يعود إليه ولده.. فلما وجده مازال على حاله.. حز فى قلبه مقاله..
وطلب شورى عشيرته .. فنصحوه ألا يخرج لقتال فلذة كبده .. وأن يترك المعتدى عليهم من رجال القبائل والقوافل يستعيدون ما أخذ منهم بالقوة .. فهم كثرة وأنبه وجماعته قلة.
وبالفعل اعتذر بعدم قدرته على مقاتلة فلذة كبده .. وكتم فى نفسه وهو كظيم .. لأنه ترك أعداء ابنه يفعلون به ما يستطيعون.
قال الراوى ….
اجتمع على قتال المنذر خمسة آلاف من رجال القبائل وعبيد أصحاب القوافل:
وحاصلوا المنذر فى الوادى الذى فيه يقيم. وفاجأوه بالغارة من كل ناحية كالصاعقة ودحرجوا على معسكره كتلا من النار الحارقة.. فكانت المفاجأة كاملة شاملة.. لم يستطيع المنذر ورجاله إلا أن يولوا الأدبار.. خوفا من الدمار.
بينما حرر المنتصرون الماسورين من أهلهم .. وجمعوا ما سرق من أموالهم. وعادوا سالمين غانمين وتشتت رجال المنذر وفروا هاربين ..مختلفين ورائهم الكثيرين ما بين أسرى وجرحى ومقتولين.
وأصر كبيرهم أن يرسل إلى هلال بعض القتلى والأسرى .. ليكونوا أمام بقية الخلق عبره….
وحكى بعضهم لهلال ما جرى وما آل إليه حال ابنه الوحيد .. فبكى هلال وأقر بذنبه وأرسل وزيره ليعود بإبنه الشريد..
ولكن الوزير وصل متأخرا .. إذ كان المنذر قد شد الرحال إلى الشام والعراق مهاجرا..
فأرسل وراءه من يتقصى أخباره .. ويعرف إلى أين كان مساره .. فعاد إلى هلال بما حصل عليه من أخبار.. فظل يبكى ابنه الوحيد الغريب ليل ونهار..
ندم هلال ندما شديدا .. لأنه كان إلى هذه الدرجة عنيدا.. خاصة وقد اعترف أنه جانبه الصواب وجر على نفسه وابنه الخراب، فحين خضع واستمع إلى نداء الجاهلية الأولى..
ورفض أن يزوجه من الفتاة الكلبية بحجة أنها من سلالة الأوباش.
وأخذ يصلى ويدعو الله أن يتوب عليه … وأن يجنب أولاده المصير الذى ساق إليه أبنه الوحيد، الذى هو بالتأكيد مثله عنيد..
فكتب بيده على نفسه وعلى أهله الغربة والتشريد.
هذبا تخطب عذبا
هذبا تخطب عذبا
لم تكن المرة الأولى التى تراه يتسلل من جوارها ليقضى ساعات الليل ساهرا قلقا يتأمل نجوم السماء.. ويرسل النظر عبر الصحراء مهموما..
لم تحاول أبدا أن تقطع عليه خلوته.. أو تسأله عن سر حزنه العميق.. لأنها كانت تعرف السبب..
لقد مضت خمس سنوات كاملة من تزوجته وسط فرحة الأهل فى احتفال يليق بـ هذبا ابنة الأمير مهذب حاكم بلاد الشيخ العامرة.
خمس سنوات كاملة ولم تنجب له ولدا..
كانت تراه يداعب ويلاعب أطفال القبيلة فتحرق الحسرة قلبها، لأنها لم تستطع أن تنجب للمنذر ابنا يليق بكل هذا الحب للأطفال الذى يملأ قلبه.. ويكاد يفيض دموعا من عينيه أمام كل طفل أو طفلة يراها.. كانت الحسرة تحرق قلبه .. فتسيل دموعها فى صمت وهى لا تعرف كيف تستعيد حبه الهارب أو الذى يكاد يفر، كطير تخبط بين جدران قفصه..
قال الراوى
منذ عاد وزير هلال بن عامر إليه دون أن يعثر على ولده المنذر وأخبره بهجرته من الشام إلى العراق، وهو فى غم وهم شديد. فقد أضاع ابنه الوحيد، وأحس بأنه لن يلقاه بعد الآن.
وأحس أن الله الواحد الديان .. يعاقبه على ما ارتكبه حياله من ذنب،وما جلبه عليه من الأحزان. عندما نسى أهم علمه أياه الإسلام.. أن لا فضل لإنسان على إنسان إلا بالتقوى والإيمان.. ورفض أن يزوجه ممن هواها القلب.. طرده ليهيم فى الدنيا ويعانى الغربة الكرب.. لأنها ليست فى مقامه.. ولا تصلح إلا أن تكون من عبيده وخدامه.. فهى من نسل حساس القاتل ومن عشيرة البكريين، وأين هؤلاء من أرومة التغلبيين .. سلالة المهلل العنيد.. وكليب الشهيد.
صرخ هلال فى الليل صرخة تزلزل الجبال..
وتوقظ من النوم الرجال.. فزعين لما أصاب سيدهم من حسرة.. وضعف لا يليق ببنى مرة.. لكن الحزن فى قلب هلال كان ثقيلا كصخور الجبال.. فقد سلك من ابنه سلوك الجاهلية.. عندما رفض أن يزوجه من الفتاة البكرية.. ناسيا ما استقر بقلبه منذ رأى رسول الله.. من سماحة الإسلام الذى لا يحط من كرامة الإنسان .. بسبب الأديان والأجناس أو الألوان.
هذا ما كانت عليه حال هلال بن عامر..
فماذا كان من أمر ابنه المنذر المطرود المهاجر..
صلى على رسول الله المنزه عن الكبائر الصغائر.
وصل المنذر ومن بقى معه من أصحابه إلى تخوم بغداد وسأل عن ملك كريم وأمير عظيم يلجأ إليه ويحتمى به. فدلوه على الأمير الحاكم بلاد الشيخ. وهو الأمير مهذب الذى كان يحكم على مائة وثمانين ألف بطل .. ويملك الارض الخصبة ما بين النهر والجبل..
وكانت للأمير مهذب عيوم وأرصاد .. تراقب حدود البلاد .. فوصله لجوء المنذر بن هلال وقدومه مع صحبه عليه.. فركب فى عشرين ألف من رجاله.. ليكون فى استقباله .. فقد كان يعرف مقامه وشجاعته.. وما فعلته الأيام وما بدلت من أحواله..
وما أن أقبل المنذر عليه حتى نزل عن حصانه وسلم عليه.. وأكرمه غاية الإكرام. وأظهر له الترحيب والإحترام وعاد به إلى بلاده ومستقر حكمه وهو يحس أن الله سيحقق به حلمه.. إذ لم يكن له ولد.. وكان هذا الأمر يقلقه ويسبب له لى شيبته بعض الهم والكمد.. وها هى الأقدار تسوق إليه بطلا من الأبطال .. وأى بطل؟!. فراح عنه الهم وملأ قلبه الأمل.. أن يتحقق حلمه قبل أن يوافيه الأجل!.
الآن يمكن أن يطمئن على أبنته التى فتن بجمالها الكثيرين.. ولكنها رفضتهم أجمعين. فزرعت بينهم فتنة لا ينطفئ لها لهيب. ووضعته فى موقف عجيب.. لذا كان يتمنى أن يزوجها من غريب.. حتى لا يقال أنه فضل رجلا منهم على بقية الرجال .. ومن فى الدنيا يحل له هذا الإشكال أفضل من المنذر بن هلال..
صلوا على طه أعظم الأبطال..
تذكرت هذبا كل ذلك وهى تراقب زوجها الحبيب الحزين .. مرت الأيام الحلوة أمامها بكل تفاصيلها وجمالها .. منذ رأت المنذر أول مرة وهى ما صاحباتها وسط المرج المزهر بالقرب من الجبل .. قبل أن يلتقى مع أبيها يوم وصوله.. وكيف رأت فى خصاله وفعاله ما أوقع بقلبها حبه..
وكانت قد شردت عن صاحباتها وابتعدت وفقدت طريق العودة .. وامتلأ قلبها رعبا حين لاح لها فجأة ذلك الضبع الكريه الذى كاد يفتك بها.. لولا ذلك الفارس الذى عاجله بضربة من سيفه أردته قتيلا على بعد خطوات منها.. وكيف حملها فاقدة الوعى إلى صاحباتها .. وهو لا يعرف من هى ولا أنها أفاقت بين ذراعيه القويتين وظلت تتظاهر بالإغماء لتشبع عينها بما يشع وجهة من رجولة وبهاء..
ابتسمت حين تذكرت كيف سلمها لصاحباتها فى خجل واختفى على عجل .. فلم تعرف اسمه وهو الذى ملأ عليها الدنيا وملك قلبها حسنة وخلقة ورسمة.
وحين فوجئت به يجلس مكرما معززا إلى جوار أبيها، ظنته لأول وهلة ممن جاءوا لطلب يدها .. ففرحت ورقص قلبها.. لولا أنها رأت والدها يضحك فى سعادة على غير العادة، عندما يكون فى الأمر خطبة لها، فانقبض قلبها.. فالأمر بالتأكيد على غير ما دارخ بخلدها.. لأن طالبى يدها وهم كثيرون لم يجلبوا لأبيها سوى الغم والحزن، لانهم يزيدون من عدد الذين يرفضون، وعليه وعليها يحقدون. كادت تصيح من مكانها خلف الستائر :"إنى موافقة يا أبى" ولكنها .. كانت تملك من الأدب ما يمنعها من التصريح بحبها.. فأسرت ما بقلبها. وأغلقت مفاتيح صدرها .. على سرها..
عادت الابتسامة تلوح على وجهها.. حين تذكرت كيف تقدم هو بعد تردد وكتمان لطلب يدها.. كان غير واثق وهو الغريب المهاجر أن يقبل والدها زواجها منه.. صحيح أنه قربه إليه حتى صار كوزيره وأحبه كأنه ابنه .. ولكن بعد أن وصلته أخبار رفضها لهذا العدد من الفرسان والرجال .. يئس وتأكد أن زواجها منها هو بعينه المحال.
وكادت تقهقه عندما تذكرت والدها وهو يقفز كالأرنب، وهى عادة تغلب عليه حين تغلب الفرحة .. ساعة حدثته زوجته .. عما أسرت به إليها ابنته.
- لم .. لم تحدثينى بهذا من قبل؟
- لم يكن من حقى أن أكشف لك سرها .. ونحن لا نعرف ما نعرفه الآن ..
- أو لست أبيها .. وكان من حقى أن أعرف ما يدور فى بيتى؟
- دعك من هذا! … لم أكن أجرؤ … ولم تكن هى لتسمح لى إلا بعد تأن تتأكد أنه يريدها كما تريده..
شجعتها المشاعر التى اجتاحتها أن تخترق الصمت الذى أحاط المنذر نفسه به وسط سكون الليل .. فاقتربت خفيفة كالطيف منه .. ووضعت كفها الرقيق على كتفه فى حنان الأم أكثر من شوق الزوجة.
فالتف ناحيتها وقد غمرت وجهة ابتسامة مغتصبة .. لم يفت عليها أنه بذل جهدا خارقا ليجعلها ابتسامة حقيقية.
- ماذا بك.. يا منذر؟..
- لا شىء لا حبيبة القلب..
- أنا هذبا يا منذر، أنا التى تقرأ صفحة وجهك بل وثنايا داخلك كالكتاب .. بح لى بما يهمك.. ويقلقك..
- هل تظنين أن قلب رجل يجد نفسه فجأة فى موقع الأمير مهذب ويحكم هذه الأرض باسمه يمكن أن يخلو قلبه من قلق .. بعض المشاكل تطارد الإنسان حتى إلى فراشه..
- منذر.. لا تخفى ألمك فأنا أعرف سره..
أختلجت عينا المنذر فزعا أن تكون عرفت بالفعل سر حزنه أو خمنته فاستدار إليها وأخذها بين أحضانه فى حنان وهمس فى أذنها..
- لا تشغلى بالك بأمور .. لا تخصك..
- لا .. إنها أشد الأمور التى تخصنى .. أنا أعرف مقدار ما يسببه لك من ألم أننى لا أنجب لك الطفل الذى تريده..
حاول أن يعترض ولكنها أسرعت ووضعت إصبعها المضىء على فمه طالبة ألا يقاطعها..
_ أتظن أننى بلهاء .. أو أننى على هذا القدر من الغباء الذى لا يجعلنى أشعر بما يدور فى داخلك.. عندما تداعب أطفال الآخرين.. أو ذلك الحنان والحنين الذى يفيض حولك حين تحمل طفلا أو تطعم طفلة أى طفلة.
صمت المنذر فلم يجد كلمات ليرد على هذه المرأة الذكية التى يحبها كما لم يحب أحدا فى الوجود .. والذى يكتم فى قلبه شوقه القاتل لطفل من صلبه خشية أن يجرح مشاعرها. لكنها واصلت كلامها وهى تتظاهر بالمرح..
- أنا بنفسى التى ستزوجك من امرأة أخرى .. تنجب لك الطفل الذى تريد، بل لقد اخترتها بالفعل من سلالة منجبه، حتى تحقق أملك ولا تخيبه..
لم تعطه الفرصة لكى يعترض .. فهى تعرف أن اقتراحها قد وافق رغبته وهواه.. فأرادت هى (بيدها لا بيد القدر) أن تختار بنفسها من تحقق له مناه .. رغم كل النار التى تتأجج فى داخلها .. واليأس والخوف الذى يعصر قلبها ويشعل نيران الخف من فقده بين ضلوعها.
قال الراوى
بعد أن زوج الامير مهذب ابنته هذبا من ضيفه وحبيب قلبه المنذر وارتاح من هم الفرسان المرفوضين، الذين شفوا من ألمهم وحزنهم الدفين، بعد أن صارت لرجل يحبونه أجمعين.
أقام لهذا الليالى الطوال الملاح التى قضاها الجميع فى سرور وإنشراح .. إنزاح عن قلبه الهم الوحيد الذى كان ينغص عليه حياته ويحرمه من فرحته أن يقفز كالأرنب فى مرح بسبب الهم والقلق الذى كان يعصر قلبه كلما لاحظ نظرات الغضب والغيرة التى يتراشق بها الفرسان العرسان المرفوضين.
الآن صارت هذبا زوجة للمنذر ولا سبيل إليها، فارتضى الجميع حكم القدر .. الذى دبره لمهذب كى يجعل الأمر عليهم جليلا .. والطمع فيها مستحيلا..
بعد ذلك أعلن أنه يجعل من صهره المنذر حاكما مكانه وأميرا يعلو بهم شأنه فهل من معترض .. أو طامع؟
كان الجميع قد أحبوا المنذر فبايعوه. حتى أولئك الذين كانت لديهم بعض المطامع لم يجدوا بدا من أن يؤيدوه..
وألبس المهذب الأمير المنذر لباس الإمارة وألبسه الخاتم وسلمه الإشارة وطلب منه أن يقسم ويعاهده أمام الجميع أن يحكم بالعدل والإنصاف .. وألا يبيت فى أرضه كما كان فى عهده جائع أو خواف..
وجلس المنذر على كرسى الإمارة وأظهر الكثير من المهارة والجسارة.. فأكرم العربان والرعيان وزارعى البساتين، وحكم بما يمليه عليه العقل والدين.. فانقاد له العباد وآمنت البلاد..
لكن حنينه للولد كان ينغص فرحته .. وينقص من راحته، حتى كانت تلك الليلة التى كاشفته فيها زوجته بأنها تعرف سر حزنه .. وشوقه لابنه .. وأنها عاهدت نفسها أن تزوجه بمن تهبه الولد بأمر الله.. لأنها لمتعد تحتمل أن تراه يتعذب، وهى ابنة المهذب الذى لم يكن يحب الحزن ولا القلق .. ويتمنى أن يظل طوال الوقت يقفز فرحا كالأرنب من مرح ونزق..
أدعو الله وصلوات على خير من خلق.
ذهبت هذبا متنكرة فى زى ملك من ملوك الشام.. قاصدة بلاد السرو، واستقبلها الملك الصالح ملك بلاد السرو بكل إجلال واحترام.. واقام الولائم التى تليق بما عرف عنه من كرم. ولما انتهى الطعام. ودار بينهما الحديث والسمر والكلام .. أعجب الملك الصالح بذلك الملك الجميل الشديد الذكاء والفصاحة..
ولذا لما وجد الملك المتنكر الفرصة فاتح الملك الصالح وطلب منه يد ابنته..
ورد عليه الملك الصالح أن الأمر يحتاج لمعرفة رأيها.. وأخذ موافقتها .. لكن هذبا المتنكرة .. أصرت على أن تحصل على موافقته أولا.. لأنها بعد ذلك سوف تحصل على موافقة عذبا، وهى متأكدة من موافقتها..
ازدادت دهشة الملك الصالح..
واضطر أن يقول أنه موافق .. ولا يجد مانعا..
فقالت هذبا وهى تنزع ثياب تنكرها وتكشف عن شخصيتها:
- الآن اطمأن قلبى .. لكنى سأقوم الآن لأقنع عذبا .. فنحن النسوة نفهم بعضنا جيدا..
لم ينطق المالك الصالح بكلمة، وازدادت دهشته فلم يستطع أن يعبر عما أحس به من هول .. خاصة وقد استطردت هذبا مبتسمة:
- لست أنا الذى يطلب يدها طبعا يا سيدى.. إنما أنا أريدها زوجة لزوجى.. فهل تعطينى الفرصة أيها الملك الصالح..
ظل الملك الصالح مندهشا ذاهلا. لا يستطيع النطق بكلمة .. فقد كان الأمر غريبا وعجيبا.
امرأة تسعى لتزويج زوجها..
- إن هذه غاية العجب .. ولم تسمع من قبل به العرب..
لكنها عندما شرحت ل
لم تكن المرة الأولى التى تراه يتسلل من جوارها ليقضى ساعات الليل ساهرا قلقا يتأمل نجوم السماء.. ويرسل النظر عبر الصحراء مهموما..
لم تحاول أبدا أن تقطع عليه خلوته.. أو تسأله عن سر حزنه العميق.. لأنها كانت تعرف السبب..
لقد مضت خمس سنوات كاملة من تزوجته وسط فرحة الأهل فى احتفال يليق بـ هذبا ابنة الأمير مهذب حاكم بلاد الشيخ العامرة.
خمس سنوات كاملة ولم تنجب له ولدا..
كانت تراه يداعب ويلاعب أطفال القبيلة فتحرق الحسرة قلبها، لأنها لم تستطع أن تنجب للمنذر ابنا يليق بكل هذا الحب للأطفال الذى يملأ قلبه.. ويكاد يفيض دموعا من عينيه أمام كل طفل أو طفلة يراها.. كانت الحسرة تحرق قلبه .. فتسيل دموعها فى صمت وهى لا تعرف كيف تستعيد حبه الهارب أو الذى يكاد يفر، كطير تخبط بين جدران قفصه..
قال الراوى
منذ عاد وزير هلال بن عامر إليه دون أن يعثر على ولده المنذر وأخبره بهجرته من الشام إلى العراق، وهو فى غم وهم شديد. فقد أضاع ابنه الوحيد، وأحس بأنه لن يلقاه بعد الآن.
وأحس أن الله الواحد الديان .. يعاقبه على ما ارتكبه حياله من ذنب،وما جلبه عليه من الأحزان. عندما نسى أهم علمه أياه الإسلام.. أن لا فضل لإنسان على إنسان إلا بالتقوى والإيمان.. ورفض أن يزوجه ممن هواها القلب.. طرده ليهيم فى الدنيا ويعانى الغربة الكرب.. لأنها ليست فى مقامه.. ولا تصلح إلا أن تكون من عبيده وخدامه.. فهى من نسل حساس القاتل ومن عشيرة البكريين، وأين هؤلاء من أرومة التغلبيين .. سلالة المهلل العنيد.. وكليب الشهيد.
صرخ هلال فى الليل صرخة تزلزل الجبال..
وتوقظ من النوم الرجال.. فزعين لما أصاب سيدهم من حسرة.. وضعف لا يليق ببنى مرة.. لكن الحزن فى قلب هلال كان ثقيلا كصخور الجبال.. فقد سلك من ابنه سلوك الجاهلية.. عندما رفض أن يزوجه من الفتاة البكرية.. ناسيا ما استقر بقلبه منذ رأى رسول الله.. من سماحة الإسلام الذى لا يحط من كرامة الإنسان .. بسبب الأديان والأجناس أو الألوان.
هذا ما كانت عليه حال هلال بن عامر..
فماذا كان من أمر ابنه المنذر المطرود المهاجر..
صلى على رسول الله المنزه عن الكبائر الصغائر.
وصل المنذر ومن بقى معه من أصحابه إلى تخوم بغداد وسأل عن ملك كريم وأمير عظيم يلجأ إليه ويحتمى به. فدلوه على الأمير الحاكم بلاد الشيخ. وهو الأمير مهذب الذى كان يحكم على مائة وثمانين ألف بطل .. ويملك الارض الخصبة ما بين النهر والجبل..
وكانت للأمير مهذب عيوم وأرصاد .. تراقب حدود البلاد .. فوصله لجوء المنذر بن هلال وقدومه مع صحبه عليه.. فركب فى عشرين ألف من رجاله.. ليكون فى استقباله .. فقد كان يعرف مقامه وشجاعته.. وما فعلته الأيام وما بدلت من أحواله..
وما أن أقبل المنذر عليه حتى نزل عن حصانه وسلم عليه.. وأكرمه غاية الإكرام. وأظهر له الترحيب والإحترام وعاد به إلى بلاده ومستقر حكمه وهو يحس أن الله سيحقق به حلمه.. إذ لم يكن له ولد.. وكان هذا الأمر يقلقه ويسبب له لى شيبته بعض الهم والكمد.. وها هى الأقدار تسوق إليه بطلا من الأبطال .. وأى بطل؟!. فراح عنه الهم وملأ قلبه الأمل.. أن يتحقق حلمه قبل أن يوافيه الأجل!.
الآن يمكن أن يطمئن على أبنته التى فتن بجمالها الكثيرين.. ولكنها رفضتهم أجمعين. فزرعت بينهم فتنة لا ينطفئ لها لهيب. ووضعته فى موقف عجيب.. لذا كان يتمنى أن يزوجها من غريب.. حتى لا يقال أنه فضل رجلا منهم على بقية الرجال .. ومن فى الدنيا يحل له هذا الإشكال أفضل من المنذر بن هلال..
صلوا على طه أعظم الأبطال..
تذكرت هذبا كل ذلك وهى تراقب زوجها الحبيب الحزين .. مرت الأيام الحلوة أمامها بكل تفاصيلها وجمالها .. منذ رأت المنذر أول مرة وهى ما صاحباتها وسط المرج المزهر بالقرب من الجبل .. قبل أن يلتقى مع أبيها يوم وصوله.. وكيف رأت فى خصاله وفعاله ما أوقع بقلبها حبه..
وكانت قد شردت عن صاحباتها وابتعدت وفقدت طريق العودة .. وامتلأ قلبها رعبا حين لاح لها فجأة ذلك الضبع الكريه الذى كاد يفتك بها.. لولا ذلك الفارس الذى عاجله بضربة من سيفه أردته قتيلا على بعد خطوات منها.. وكيف حملها فاقدة الوعى إلى صاحباتها .. وهو لا يعرف من هى ولا أنها أفاقت بين ذراعيه القويتين وظلت تتظاهر بالإغماء لتشبع عينها بما يشع وجهة من رجولة وبهاء..
ابتسمت حين تذكرت كيف سلمها لصاحباتها فى خجل واختفى على عجل .. فلم تعرف اسمه وهو الذى ملأ عليها الدنيا وملك قلبها حسنة وخلقة ورسمة.
وحين فوجئت به يجلس مكرما معززا إلى جوار أبيها، ظنته لأول وهلة ممن جاءوا لطلب يدها .. ففرحت ورقص قلبها.. لولا أنها رأت والدها يضحك فى سعادة على غير العادة، عندما يكون فى الأمر خطبة لها، فانقبض قلبها.. فالأمر بالتأكيد على غير ما دارخ بخلدها.. لأن طالبى يدها وهم كثيرون لم يجلبوا لأبيها سوى الغم والحزن، لانهم يزيدون من عدد الذين يرفضون، وعليه وعليها يحقدون. كادت تصيح من مكانها خلف الستائر :"إنى موافقة يا أبى" ولكنها .. كانت تملك من الأدب ما يمنعها من التصريح بحبها.. فأسرت ما بقلبها. وأغلقت مفاتيح صدرها .. على سرها..
عادت الابتسامة تلوح على وجهها.. حين تذكرت كيف تقدم هو بعد تردد وكتمان لطلب يدها.. كان غير واثق وهو الغريب المهاجر أن يقبل والدها زواجها منه.. صحيح أنه قربه إليه حتى صار كوزيره وأحبه كأنه ابنه .. ولكن بعد أن وصلته أخبار رفضها لهذا العدد من الفرسان والرجال .. يئس وتأكد أن زواجها منها هو بعينه المحال.
وكادت تقهقه عندما تذكرت والدها وهو يقفز كالأرنب، وهى عادة تغلب عليه حين تغلب الفرحة .. ساعة حدثته زوجته .. عما أسرت به إليها ابنته.
- لم .. لم تحدثينى بهذا من قبل؟
- لم يكن من حقى أن أكشف لك سرها .. ونحن لا نعرف ما نعرفه الآن ..
- أو لست أبيها .. وكان من حقى أن أعرف ما يدور فى بيتى؟
- دعك من هذا! … لم أكن أجرؤ … ولم تكن هى لتسمح لى إلا بعد تأن تتأكد أنه يريدها كما تريده..
شجعتها المشاعر التى اجتاحتها أن تخترق الصمت الذى أحاط المنذر نفسه به وسط سكون الليل .. فاقتربت خفيفة كالطيف منه .. ووضعت كفها الرقيق على كتفه فى حنان الأم أكثر من شوق الزوجة.
فالتف ناحيتها وقد غمرت وجهة ابتسامة مغتصبة .. لم يفت عليها أنه بذل جهدا خارقا ليجعلها ابتسامة حقيقية.
- ماذا بك.. يا منذر؟..
- لا شىء لا حبيبة القلب..
- أنا هذبا يا منذر، أنا التى تقرأ صفحة وجهك بل وثنايا داخلك كالكتاب .. بح لى بما يهمك.. ويقلقك..
- هل تظنين أن قلب رجل يجد نفسه فجأة فى موقع الأمير مهذب ويحكم هذه الأرض باسمه يمكن أن يخلو قلبه من قلق .. بعض المشاكل تطارد الإنسان حتى إلى فراشه..
- منذر.. لا تخفى ألمك فأنا أعرف سره..
أختلجت عينا المنذر فزعا أن تكون عرفت بالفعل سر حزنه أو خمنته فاستدار إليها وأخذها بين أحضانه فى حنان وهمس فى أذنها..
- لا تشغلى بالك بأمور .. لا تخصك..
- لا .. إنها أشد الأمور التى تخصنى .. أنا أعرف مقدار ما يسببه لك من ألم أننى لا أنجب لك الطفل الذى تريده..
حاول أن يعترض ولكنها أسرعت ووضعت إصبعها المضىء على فمه طالبة ألا يقاطعها..
_ أتظن أننى بلهاء .. أو أننى على هذا القدر من الغباء الذى لا يجعلنى أشعر بما يدور فى داخلك.. عندما تداعب أطفال الآخرين.. أو ذلك الحنان والحنين الذى يفيض حولك حين تحمل طفلا أو تطعم طفلة أى طفلة.
صمت المنذر فلم يجد كلمات ليرد على هذه المرأة الذكية التى يحبها كما لم يحب أحدا فى الوجود .. والذى يكتم فى قلبه شوقه القاتل لطفل من صلبه خشية أن يجرح مشاعرها. لكنها واصلت كلامها وهى تتظاهر بالمرح..
- أنا بنفسى التى ستزوجك من امرأة أخرى .. تنجب لك الطفل الذى تريد، بل لقد اخترتها بالفعل من سلالة منجبه، حتى تحقق أملك ولا تخيبه..
لم تعطه الفرصة لكى يعترض .. فهى تعرف أن اقتراحها قد وافق رغبته وهواه.. فأرادت هى (بيدها لا بيد القدر) أن تختار بنفسها من تحقق له مناه .. رغم كل النار التى تتأجج فى داخلها .. واليأس والخوف الذى يعصر قلبها ويشعل نيران الخف من فقده بين ضلوعها.
قال الراوى
بعد أن زوج الامير مهذب ابنته هذبا من ضيفه وحبيب قلبه المنذر وارتاح من هم الفرسان المرفوضين، الذين شفوا من ألمهم وحزنهم الدفين، بعد أن صارت لرجل يحبونه أجمعين.
أقام لهذا الليالى الطوال الملاح التى قضاها الجميع فى سرور وإنشراح .. إنزاح عن قلبه الهم الوحيد الذى كان ينغص عليه حياته ويحرمه من فرحته أن يقفز كالأرنب فى مرح بسبب الهم والقلق الذى كان يعصر قلبه كلما لاحظ نظرات الغضب والغيرة التى يتراشق بها الفرسان العرسان المرفوضين.
الآن صارت هذبا زوجة للمنذر ولا سبيل إليها، فارتضى الجميع حكم القدر .. الذى دبره لمهذب كى يجعل الأمر عليهم جليلا .. والطمع فيها مستحيلا..
بعد ذلك أعلن أنه يجعل من صهره المنذر حاكما مكانه وأميرا يعلو بهم شأنه فهل من معترض .. أو طامع؟
كان الجميع قد أحبوا المنذر فبايعوه. حتى أولئك الذين كانت لديهم بعض المطامع لم يجدوا بدا من أن يؤيدوه..
وألبس المهذب الأمير المنذر لباس الإمارة وألبسه الخاتم وسلمه الإشارة وطلب منه أن يقسم ويعاهده أمام الجميع أن يحكم بالعدل والإنصاف .. وألا يبيت فى أرضه كما كان فى عهده جائع أو خواف..
وجلس المنذر على كرسى الإمارة وأظهر الكثير من المهارة والجسارة.. فأكرم العربان والرعيان وزارعى البساتين، وحكم بما يمليه عليه العقل والدين.. فانقاد له العباد وآمنت البلاد..
لكن حنينه للولد كان ينغص فرحته .. وينقص من راحته، حتى كانت تلك الليلة التى كاشفته فيها زوجته بأنها تعرف سر حزنه .. وشوقه لابنه .. وأنها عاهدت نفسها أن تزوجه بمن تهبه الولد بأمر الله.. لأنها لمتعد تحتمل أن تراه يتعذب، وهى ابنة المهذب الذى لم يكن يحب الحزن ولا القلق .. ويتمنى أن يظل طوال الوقت يقفز فرحا كالأرنب من مرح ونزق..
أدعو الله وصلوات على خير من خلق.
ذهبت هذبا متنكرة فى زى ملك من ملوك الشام.. قاصدة بلاد السرو، واستقبلها الملك الصالح ملك بلاد السرو بكل إجلال واحترام.. واقام الولائم التى تليق بما عرف عنه من كرم. ولما انتهى الطعام. ودار بينهما الحديث والسمر والكلام .. أعجب الملك الصالح بذلك الملك الجميل الشديد الذكاء والفصاحة..
ولذا لما وجد الملك المتنكر الفرصة فاتح الملك الصالح وطلب منه يد ابنته..
ورد عليه الملك الصالح أن الأمر يحتاج لمعرفة رأيها.. وأخذ موافقتها .. لكن هذبا المتنكرة .. أصرت على أن تحصل على موافقته أولا.. لأنها بعد ذلك سوف تحصل على موافقة عذبا، وهى متأكدة من موافقتها..
ازدادت دهشة الملك الصالح..
واضطر أن يقول أنه موافق .. ولا يجد مانعا..
فقالت هذبا وهى تنزع ثياب تنكرها وتكشف عن شخصيتها:
- الآن اطمأن قلبى .. لكنى سأقوم الآن لأقنع عذبا .. فنحن النسوة نفهم بعضنا جيدا..
لم ينطق المالك الصالح بكلمة، وازدادت دهشته فلم يستطع أن يعبر عما أحس به من هول .. خاصة وقد استطردت هذبا مبتسمة:
- لست أنا الذى يطلب يدها طبعا يا سيدى.. إنما أنا أريدها زوجة لزوجى.. فهل تعطينى الفرصة أيها الملك الصالح..
ظل الملك الصالح مندهشا ذاهلا. لا يستطيع النطق بكلمة .. فقد كان الأمر غريبا وعجيبا.
امرأة تسعى لتزويج زوجها..
- إن هذه غاية العجب .. ولم تسمع من قبل به العرب..
لكنها عندما شرحت ل
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يوليو 24, 2014 10:18 am من طرف عماد عبد الحكيم
» جاك نصيبة
الخميس يوليو 24, 2014 10:00 am من طرف عماد عبد الحكيم
» فوانيس الأراجوز التعيس فى ليل المد والتوريث
الأحد مارس 11, 2012 6:29 pm من طرف Admin
» اغنية حمامة بيضا غناء عدلى فخرى اشعار سمير عبد الباقى
الأحد مارس 11, 2012 6:10 pm من طرف Admin
» فى حب مصر يامركب الشمس عدلى فخرى و سمير عبد الباقى
الأحد مارس 11, 2012 6:08 pm من طرف Admin
» معرض الكتاب القاهره 5
الأحد مارس 11, 2012 6:06 pm من طرف Admin
» معرض الكتاب
الأحد مارس 11, 2012 6:02 pm من طرف Admin
» معرض الكتاب 3
الأحد مارس 11, 2012 6:00 pm من طرف Admin
» معرض الكتاب 4
الأحد مارس 11, 2012 5:57 pm من طرف Admin